للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذلك أن كلمة (مع) في اللغة إذا أطلقت فليس في اللغة ظاهرها إلا المقارنة المطلقة، من غير وجوب مماسةأو محاذاة عن يمين أو شمال؛ فإذا قيدت بمعنى من المعاني دلت على المقارنة في ذلك المعنى. فإنه يقال: ما زلنا نسير والقمر معنا أو والنجم معنا. ويقال: هذا المتاع معي لمجامعته لك؛ وإن كان فوق رأسك. فالله مع خلقه حقيقة، وهو فوق عرشه حقيقة.

ثم هذه (المعية) تختلف أحكامها بحسب الموارد فلما قال: س يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها ش إلى قوله س وهو معكم أينما كنتم ش دل ظاهر الخطاب على أن حكم هذه المعية ومقتضاها أنه مطلع عليكم؛ شهيد عليكم ومهيمن عالم بكم. وهذا معنى قول السلف: إنه معهم بعلمه، وهذا ظاهر الخطاب وحقيقته.

وكذلك في قوله س ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ش إلى قوله س هو معهم أينما كانوا ش (١) الآية.

ولما قال النبي ش لصاحبه في الغار س لا تحزن إن الله معنا ش (٢) كان هذا أيضا حقا على ظاهره، ودلت الحال على أن حكم هذه المعية هنا معية الاطلاع، والنصر والتأييد.

وكذلك قوله تعالى س إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ش (٣) كذلك قوله لموسى وهارون س إنني معكما أسمع وأرى ش (٤) هنا المعية على ظاهرها، وحكمها في هذه المواطن النصر والتأييد.

وقد يدخل على الصبي من يخيفه فيبكى فيشرف عليه أبوه من فوق السقف فيقول: لا تخف؛ أنا معك أوأنا هنا، أو أنا حاضر ونحو ذلك. ينبهه على المعية الموجبة بحكم الحال دفع المكروه؛ ففرق بين المعية ومقتضاها؛ وربما صار مقتضاها من معناها؛ فيختلف باختلاف المواضع (٥) .


(١) المجادلة ٧.
(٢) التوبة ٤٠.
(٣) النحل ١٢٨.
(٤) طه ٤٦.
(٥) انظر مختصر الصواعق ٢/٢٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>