فمن التزم هذه القواعد في الاعتقاد، والعمل، فهو على نهج أهل السنة بإذن الله (١) .
وأهل السنة قالوا: الأصل في الدين الاتباع والعقل تبع، فالعقل المجرد ليس له إثبات شيء من العقائد والأحكام، وإنما المرجع في ذلك إلى القرآن والسنة.
ولو كان أساس الدين على المعقول لاستغنى الخلق عن الوحي وعن الأنبياء، ولبطل الأمر والنهي، ولقال من شاء ما شاء (٢) .
والتقرير بأن النقل مقدم على العقل لا ينبغي أن يُفهم منه أن أهل السنة ينكرون العقل والتوصل به إلى المعارف والتفكير به في خلق السموات والأرض وفي الآيات الكونية الكثيرة، فأهل السنة لا ينكرون استعمال العقل، ولكنهم توسطوا في شأن العقل بين طائفتين ضلتا في هذا الباب هما:
أهل الكلام: الذين يجعلون العقل وحده أصل علمهم ويفردونه ويجعلون الإيمان والقرآن تابعين له، والمعقولات عندهم هي الأصول الكلية الأولية، المستغنية بنفسها عن الإيمان والقرآن، فجعلوا عقولهم هي التي تثبت وتنفي، والسمع معروضاً عليها، فإن وافقها قُبِلَ اعتضاداً لا اعتماداً، وإن عارضها رُدَّ وطُرِح، وهذا من أعظم أسباب الضلال التي دخلت على الأمة.
وأهل التصوف: الذين يذمون العقل ويعيبونه، ويرون أن الأحوال العالية والمقامات الرفيعة، لا تحصل إلا مع عدمه ويقرون من الأمور بما يكذِّب صريح العقل.
ويمدحون السُّكْر والجنون والوَلَه، وأموراً من المعارف والأحوال التي لا تكون إلا بزوال العقل والتمييز، كما يصدقون بأمور يُعْلَمُ بالعقل الصريح بطلانها. وكلا الطرفين مذموم.
وأما أهل السنة فيرون أن العقل شرط في معرفة العلوم، وكمال وصلاح الأعمال وبها يكمل العلم والعمل، ولكنه ليس مستقلاً بذلك. فالعقل غريزة في النفس وقوة فيها، بمنزلة البصر التي في العين.
فإن اتصل به نور الإيمان والقرآن، كان كنور العين إذا اتصل به نور الشمس أو النار.
وإن انفرد بنفسه لم يبصر الأمور التي يعجز وحده عن إدراكها.