وإن عزل بالكلية كانت الأقوال والأفعال مع عدمه أموراً حيوانية.
فالأحوال الحاصلة مع عدم العقل ناقصة، والأقوال المخالفة للعقل باطلة، والرسل جاءت بما يعجز العقل عن إدراكه ولم تأت بما يعلم بالعقل امتناعه (١) .
المطلب الثاني: بيان وسطيتهم
وقد توسط أهل السنة في كثير من مسائل الاعتقاد، منها ما يلي:
١ في أسماء الله وصفاته: فإن مذهب السلف هو إثباتها وإجراؤها على ظواهرها ونفي الكيفية والتشبيه عنها فتوسطوا بذلك بين المعطلة الذين نفوها فأبطلوا ما أثبته الله ورسوله، والمشبهة الذين خرجوا بها إلى ضرب من التشبيه والتكييف.
٢ في أفعال الله ((القدر)) : فإن مذهب السلف هو أنهم أثبتوا لله فعلاً ومشيئة وأثبتوا للعبد فعلاً ومشيئة داخلة تحت مشيئة الله وقدرته، فتوسطوا بذلك بين الجبرية الذين أنكروا قدرة العبد ومشيئته، والقدرية الذين أنكروا قدرة الله في أفعال العباد.
٣ في الإيمان: فإن مذهب السلف هو أن الإيمان اعتقاد وقول وعمل يزيد وينقص، فتوسطوا بذلك بين المرجئة الذين أخرجوا العمل عن مسمى الإيمان، والخوارج والمعتزلة الذين أنكروا زيادة الإيمان ونقصانه.
٤ في وعيد الله ((أي مرتكب الكبيرة)) : فإن مذهب السلف هو أن مرتكب الكبيرة مؤمن بإيمانه فاسق بمعصيته، وهو مستحق للوعيد ولكنه تحت مشيئة الله، إن شاء عذبه على قدر ذنبه ثم يخرجه من النار، وإن شاء غفر له وأدخله الجنة.
فهم بذلك توسطوا بين المفرطين من المرجئة الذين قالوا: لا يضر مع الإيمان ذنب، كما لا ينفع مع الكفر طاعة، وبين الوعيدية (الخوارج والمعتزلة) ، فالخوارج يقولون: هو كافر في الدنيا، والمعتزلة يقولون: هو في منزلة بين المنزلتين ويتفقون على أنه في الآخرة خالد مخلد في النار.