... وقد قسم الفقهاء رحمهم الله الأمور التي تعد من المصالح بالنظر الشرعي، بحسب دلائل نصوص الشريعة وأحكامها إلى ثلاثة أقسام:
الأول: الضروريات: وهي الأمور التي تتوقف عليها صيانة الأركان الخمسة من أعمال وتصرفات وتدابير وأشياء وما إليها.
الثاني: الحاجيات: وهي الأعمال والتصرفات التي لا تتوقف عليها صيانة تلك الأركان الخمسة، ولكنها تتطلبها الحاجة لأجل التوسعة ورفع الحرج.
الثالث: التكميليات أو الكماليات أو التحسينات: وهي التي لا تتحرج الحياة بتركها ولكن مراعاتها من مكارم الأخلاق، أو من محاسن العادات، فهي من قبيل استكمال ما يليق والتنزه عما لا يليق.
... وعلى هذا فالأحكام التي شرعت لصيانة الأركان الضرورية هي أهم الأحكام وأحقها بالمراعاة، وتليها الأحكام المشروعة لضمان الحاجيات، ثم الأحكام المشروعة للتحسين والتكميل.
... ولا يراعى حكم تحسيني إذا كان في مراعاته إخلال بما هو ضروري أو حاجي ولا يراعى حكم حاجي إذا كانت مراعاته تخل بالضروري، لأن الفرع لا يراعى إذا كان في مراعاته والمحافظة عليه تفريط في الأصل.
... هذه هي الأسس التي يعتبرها الشرع الإسلامي في وزن المصالح المرسلة أنواعاً ودرجات، وهي ترسم مقاصد الشريعة كما تدل عليه دلائل نصوصها في شتى الموضوعات والقضايا والأحكام.
فكل ما يؤيد هذه المقاصد الشرعية ويساعد على تحقيقها فهو مصلحة مطلوبة طلباً قوياً أو ضعيفاً بحسب موقعها من تلك الأقسام الكلية الثلاثة، وكل ما ينافيها فهو مفسدة ممنوعة منعاً شديداً أو ضعيفاً بحسب نوع المقصد الشرعي الذي تخل به.