.. ويمكن التمثيل لهذا المدخل من باب الإيضاح بمسألة الملكية الفردية، فمثلاً: الحكم بإطلاق الإباحة في الملكية الفردية من شأنه أن يكون دافعاً إلى غزارة الإنتاج الذي يزدهر به الجانب الاقتصادي في حياة الأمة، ولكن في الظرف الذي تصير فيه الحاجات الضرورية للكافة غير مكفولة، بسبب قحط أو حرب أو غيرها، فإن هذا الحكم بإطلاق الإباحة في الملكية الفردية قد يفضي إلى ضرر اجتماعي كبير بتفاقم الحاجات الضرورية، وما يؤدي إليه ذلك من اضطراب اجتماعي، قد يكون مدمراً لوحدة الأمة، ففي هذا الظرف يعدل عن الحكم بإطلاق الإباحة في الملكية الفردية إلى الحكم بتقييدها بما يدرأ المفسدة الاجتماعية.
... يقول الشاطبي في شرح مراعاة مآلات الأفعال:"إن المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدام أو بالإحجام إلا بعد نظرة إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل مشروعاً لمصلحة فيه تستجلب، أو لمفسدة تدرأ، ولكن له مآل على خلاف ما قصد فيه، وقد يكون غير مشروع لمفسدة تنشأ عنه، أو لمصلحة تندفع به، ولكن له مآل على خلاف ذلك. فإن أطلق القول في الأول بالمشروعية فربما أدى استجلاب المصلحة فيه إلى مفسدة تساوي المصلحة، أو تزيد عليها فيكون هذا مانعاً من إطلاق القول بالمشروعية، وكذلك إذا أطلق القول في الثاني بعدم المشروعية، ربما أدى استدفاع المفسدة إلى مفسدة تساوي أو تزيد، فلا يصح إطلاق القول بعدم المشروعية، وهو مجال للاجتهاد صعب المورد"(١) .
صياغة الحكم الفقهي:
... بناء على ما تقدم من تصور طبي لهذه النازلة، وبعد استجلاء لطرق الإرشاد الجيني ووسائله الطبية، وتأسيساً على ما ذكرناه من المداخل الشرعية اللازمة لمعالجة هذه النازلة من خلال القواعد الفقهية والاعتبار الشرعي للمصلحة المرسلة، وباعتبار المقاصد الشرعية في الأحكام، واعتبار مآلات الأحكام أيضاً.