.. إلا أن مقاصد الأحكام وإن كانت لازمة لها في ذاتها لزوماً منطقياً مجرداً، فإن وقوع الأحكام على عين الأفعال في الواقع لا يلازمه بالضرورة المطردة حصول المقاصد منها، لأن أفعال الإنسان العينية في واقعها الزمني قد تحف بها ملابسات وأعراض تحول دون تحقيقها للمقاصد من الأحكام التي أجريت عليها فتطبق حينئذ الأحكام على مجريات الأحداث وتتخلف المقاصد التي من أجلها وضعت.
... ولذلك فإن اعتبار المقاصد في الأحكام لا يكفي فيه الاجتهاد النظري، الذي يهدف إلى الكشف عن مقاصد الأحكام في منطقيتها التجريدية، بل لابد من مرحلة اجتهادية ثانية عند صياغة الأحكام، وهي المرحلة التي يتم فيها اعتبار المقاصد في الأحكام، من حيث حصولها في الواقع، عندما تطبق تلك الأحكام على مشخصات الأحداث، فيكون رجحان الظن بحصولها أو تخلفها، ميزاناً في صياغة الأحكام، اعتماداً لما يرجح الظن بتحقيقه مقصده في الواقع من الأحكام، وعدولاً عما يرجح الظن أنه لا يحقق مقصده لأعراض تلم بالواقعة المراد إجراء الأحكام عليها (١) .
الرابع: اعتبار مآلات الأحكام:
... إن من أهم الأسس التي يجب اعتبارها عند التصدي لاستحداث حكم في نازلة عصرية اعتبار مآلات هذا الحكم في الواقع، فإن بعض الأحكام قد لا تكون مؤدية إلى الغايات التي وضعت لها.
... فلا يكفي اعتبار المطابقة بين الحكم وبين الفعل من حيث جنسه، بل لابد من النظر في الواقع وتقويم الفعل بناء على الخصائص الظرفية له، فقد يفضي ذلك الاعتبار إلى العدول عن الحكم الأصلي إلى حكم غيره تقتضيه خصوصيات الواقع وهذا ينبني على علم دقيق بأسباب التفاعل بين مجريات الأحداث في الواقع الذي يراد علاجه، بحيث يعرف بتلك الأسباب ما ينتج عن تطبيق حكم من آثار صالحة أو ضارة، وعلى هذا الأساس يقع إقرار ذلك الحكم أو العدول عنه إلى غيره بحيث ما يغلب على الظن أن تتحقق به المصلحة تدرأ به المفسدة.