وأما الدليل على أن العلوم محلها القلب فهو قول الحق تبارك وتعالى: (لهم قلوب لا يفقهون بها) ((١)) .
والفقه هو العلم والفهم والمعرفة، ولو لم تكن القلوب محلاً للعلوم لما أضاف الحق تبارك وتعالى الفقه إليها.
وإذا ثبت أن القلب محل للعلوم كان محلاً للعقل الذي هو بعض تلك العلوم (٢) .
ثانياً: أدلة القول الثاني:
... واستدل القائلون بأن العقل في الرأس بدليلين:
الدليل الأول:
... أن العقلاء يضيفون العقل إلى الرأس، فيقولون: هذا ثقيل الرأس، وهذا في دماغه عقل.
وعكس ذلك يقولون: هذا فارغ الدماغ، وهذا ليس في رأسه عقل.
ولو لم يكن العقل في الرأس لما صح منهم ذلك.
الدليل الثاني:
... أن الإنسان إذا ضُرب على رأسه زال عقله، ولو ضُرب على جميع بدنه لم يَزُلْ عقله.
فدل هذا على أن العقل في الرأس ((٣)) .
ثالثاً: أدلة القول الثالث:
استدلوا على أن محل العقل هو القلب بالأدلة نفسها التي استدل بها أصحاب القول الأول.
واستدلوا على اتصال العقل بالدماغ فقالوا: إن العقل وإن كان محله في القلب إلا أن نوره يعلو إلى الدماغ فيفيض منه إلى الحواس ما جرى في العقل ((٤)) .
رابعاً: (المناقشات) :
ناقش الفريقان الأول والثالث وهم القائلون بأن العقل في القلب الفريق الثاني القائلين بأن العقل في الرأس في دليليهما بما يلي:
أولاً: ناقشوهم في دليلهم الأول من وجهين:
الوجه الأول:
أن قول العقلاء: " هذا ثقيل الرأس " و " هذا في دماغه عقل " لا يلزم منه أن العقل في الرأس، وإنما قولهم هذا يعني أن العقل نور في القلب يفيض إلى الرأس وإلى سائر
الحواس.
فإضافتهم العقل إلى الرأس إنما هي من هذه الحيثية.
الوجه الثاني:
أن منْ قال من العقلاء: " هذا فارغ الرأس "، و " هذا ليس في رأسه عقل " فمرادهم من ذلك أن جفاف الدماغ يؤثر في العقل وإن كان في غير محله، كما يؤثر في البصر وإن لم يكن في محله.