.. أنه رحمه الله تعالى حكم بالصحة لما أوجبه العقل من أحكام كاستحالة اجتماع الضدين، وأن الكل أكثر من الجزء ونحو ذلك، فقال: (وقد سألوا أيضاً – يعني بهم مبطلي حجة العقل – فقالوا: بأي شيء عرفتم صحة العقل؟ أبحجة عقل أم بغير ذلك؟ فإن قلتم:" عرفناها بحجة العقل " ففي ذلك نازعناكم، وإن قلتم: بغير ذلك فهاتوه، ... والجواب على ذلك وبالله التوفيق: أن صحة ما أوجبه العقل عرفناه بلا واسطة وبلا زمان، ولم يكن بين أول أوقات فهمنا وبين معرفتنا بذلك مهلة البتة، ففي أول أوقات فهمنا علمنا أن الكل أكثر من الجزء، وأن كل شخص فهو غير الشخص الآخر، وأن الشيء لا يكون قائماً قاعداً في حال واحدة، وأن الطويل أمدُّ من القصير، وبهذه القوة عرفنا صحة ما توجبه الحواس، وكلما لم يكن بين أول أوقات معرفة المرء وبين معرفته به مهلة ولازمان فلا وقت للاستدلال فيه، ولايدري أحد كيف وقع له ذلك، إلا أنه فِعْل الله عز وجل في النفوس فقط، ثم من هذه المعرفة أنتجنا جميع الدلائل) (١) .
السمة الثالثة:
... بيَّن ابن حزم رحمه الله تعالى أن الخبر لا تعلم صحته، ولا يعرف كونه صدقاً أو كذباً إلا بحجة العقل، فقال:(فإذاً قد بطلت كل طريق ادعاها خصومنا في الوصول إلى الحقائق من الإلهام والتقليد، وثبت أن الخبر لا يعلم صحته بنفسه، ولا يتميز حقه من كذبه، وواجبه من غير واجبه إلا بدليل من غيره، فقد صح أن المرجوع إليه حجج العقول وموجباتها، وصح أن العقل إنما هو مميز بين صفات الأشياء الموجودات، وموقف للمستدل به على حقائق كيفيات الأمور الكائنات، وتمييز المحال منها)((٢)) .