ولذلك فقد ألف رحمه الله تعالى كتاباً أسماه:" درء تعارض العقل والنقل "((١)) .
المطلب الثاني: دراسة موقف السلف الصالح من العقل
إن العقل عند السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم موظَّف للعمل بالنصوص الشرعية، ومُسْتَثْمَر في فهم مقاصدها ومعرفة دلالاتها، وهذا من شأنه أن يحرر العقل من أسر التقليد وغل العادات حتى يكون في مستوى المكانة التي وضعه فيها الإسلام الحنيف.
ومنهج السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم في تعاملهم مع العقل منهج يقوم على الوسطية والاعتدال، فقد عرفوا ما أعطاه الله تبارك وتعالى للعقل من مساحة يتحرك خلالها ليؤدي وظيفته التي أرادها الله عز وجل منه وهي فَهْمُ مراده سبحانه من النصوص الشرعية حتى يوجه صاحبه للعمل بها دونما زيغ أو شطط.
وجعلوا ذلك العقل في الوقت نفسه تابعاً للنقل لا يعارضه في حكم، ولا يستقل عنه بتصور، بل يستنير بنوره ويهتدي بهداه.
ولو أن من شط بعقله سلك هذا المنهج الوسطي المعتدل لسعد بهذا العقل ولما شقي به أبداً، فإن كل من قاده عقله إلى طريق الشقاء إنما كان ذلك نتيجة الغلو في تعظيم العقل ووضعه في المقام الذي لا يناسب حجمه، أو نتيجة تعطيل ذلك العقل دون استثمار لطاقاته واعتبار لقدراته اتكالاً على تقليد أعمى، أو وقوفاً عند عادة من العادات حُتّم عليه اتباعها وحُرَّم عليه اجتنابها.
المبحث العاشر: الفارق بين القياس وحجة العقل
يلاحظ أن المنكرين لحجية القياس كالظاهرية ((٢)) والشيعة ((٣)) هم من القائلين بإثبات حجة العقل، فهل هذا يعني أنَّ هناك فارقاً بين القياس والعقل؟ ...
... وإذا لم يكن هناك فارق بينهما فهل يعني هذا أنَّ هناك تناقضاً لديهم في الموقف واضطراباً في الرؤية؟