للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

.. وأما وجه إنكار الظاهرية للقياس وإقرارهم حجة العقل فهو: أنَّ القياس عندهم تَشرْيع في الدين بما لم يأذن به الله تبارك وتعالى، وهذا باطل لا يصح، وفي ذلك يقول ابن حزم رحمه الله تعالى: (فقد كان الدين والإسلام لا تحريم فيه ولا إيجاب، ثم أنزل الله تعالى الشرائع، فما أَمَر به فهو واجب، وما نهى عنه فهو حرام، وما لم يأمر به ولا نهى عنه فهو مباح مطلق حلال كما كان، هذا أَمْر معروف ضرورة بفطرة العقول مِنْ كل أحد، ففي ماذا يُحتاج إلى القياس أو إلى الرأي؟ أليس مَنْ أقرَّ بما ذكرنا ثم أوجب مالا نَصَّ بإيجابه، أو حرمَّ مالا نَصَّ بالنهي عنه قد شرع في الدين ما لم يأذن به الله تعالى؟ وقال مالا يحل القول به؟ وهذا بُرهان لائح واضح وكافٍ لا مُعْتَرَض فيه) (١) .

... وأما حجة العقل عندهم فليست تشريعاً بما لم يأذن به الله تبارك وتعالى، بل هي طريق لإثبات صِدْق المخبر في خبره حتى يحصل اليقين في القلب باتباعه والانصياع إليه فيما أخبر به، وهذا ما دل عليه قول ابن حزم رحمه الله تعالى: (الخبر لا يُعلم صحته بنفسه، ولا يتميز حقه من كذبه، وواجبه من غير واجبه إلا بدليل من غيره، فقد صح أنَّ المرجوع إليه حجج العقول وموجباتها) (٢) .

ومِنْ هذا يُعلم أنَّ الفارق عند هؤلاء بين القياس وحجة العقل: أنَّ القياس تَشْريع من غير إذْنٍ إلهي، فهو بذلك محادَّة لله تبارك وتعالى ومضادَّة لرسوله صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>