.. ولا يعكّر هذا الاتفاق إنكار الأشاعرة إدراك العقل للحُسْن والقُبح، فإنهم – على فرض التسليم بصحة هذا التوجيه – أرادوا بهذا الإدراك (الثواب والعقاب) فقط وليس مطلق الإدراك، وهذا ما أفصح عنه الفخر الرازي رحمه الله تعالى بقوله:(الحًسْن والقُبح قد يُعْنىَ بهما كون الشيء ملائماً للطبع أو منافراً، وبهذا التفسير لا نزاع في كونهما عقليين، وقد يُراد بهما كون الشيء صفة كمال أو صفة نقص، كقولنا: العلم حَسنَ والجهل قبيح، ولا نزاع أيضاً في كونهما عقليين بهذا التفسير، وإنما النزاع في كون الفعل مُتَعَلَّق الذم عاجلاً وعقابه آجلاً)(١) .
الحقيقة الثانية:
... انفرد المعتزلة والشيعة عن الأشاعرة والظاهرية وسلف الأمة الصالح بقولهم:" إن العقل يرتَّب الثواب والعقاب على الحَسَن والقبيح".
... وهذا الانفراد جعلهم ينحرفون بالعقل عن مساره الصحيح الذي يجب أن يوضع فيه، ونشأ عن ذلك شطحات فكرية كبيرة صادمت العقيدة وخالفت الشريعة، حتى أوجد ذلك نَفْرةً في القلوب من منهج المعتزلة من جهة، ومن منهج الشيعة من جهة أخرى.
• • •
الخاتمة
بعد حَمْد الله تبارك وتعالى في البدء والختام فإنَّ أهم نتائج هذا البحث ما يلي:
العقل في اللغة يُطلق على معانٍ متعددة من أهمها: الحِجْر، الجَمْع، الحَبْس، التثبت في الأمور، التميز، الفَهْم المَسْك، الملجأ.
العقل في الاصطلاح تباينت فيه عبارات الأصوليين، ولعلَّ أرجح تعريفات العقل عندهم هو تعريف السرخسي رحمه الله تعالى حيث قال:(العقل نور في الصدر به يبصر القلب عند النظر في الحجج) .
المناسبة قوية جداً بين الحقيقة اللغوية والحقيقة الاصطلاحية للعقل.
اختلف الأصوليون في محل العقل على ثلاثة أقوال أرجحها أن محله القلب ويفيض نوره إلى الدماغ لدلالة ظواهر الآيات القرآنية الكريمة على ذلك.
للخلاف في محل العقل ثمرة عملية تظهر في بعض مسائل الفقه.