اختلف الأصوليون في تفاوت العقل على قولين، والراجح منهما القول بتفاوت العقول لدلالة الشرع على ذلك واختلاف الناس في الإدراكات العقلية، إذ بعضهم أكثر إدراكاً من بعض كما هو ملموس ومشاهد.
الخلاف في سبب تحكيم العقل يعود إلى الاختلاف في المعرَّف لأحكام الله تبارك وتعالى.
المعتزلة يقرون بإدراك العقل لحُسْن الأشياء وقُبْحها، ويرتبَون على ذلك الثواب والعقاب، كما يقدَمون العقل على الشرع تقديم الأصل على الفرع.
الأشاعرة ينكرون إدراك العقل لحُسْن الأشياء وقبُحها، ومرادهم من ذلك نَفْيُ أن يكون الثواب والعقاب ثابتين بالعقل.
الظاهرية يثبتون حجج العقول رغم إنكارهم القياس، ووظيفة العقل عندهم فهْمُ مراد الله تعالى من الأوامر والنواهي، دون أن يملك تحريماً أو تحليلاً أو تدخلاً فيما لا مجال له فيه.
الشيعة يجعلون العقل حجة باطنة، وسبيلاً إلى معرفة حجية القرآن ودلائل الأخبار، ووافقوا المعتزلة على ترتيب الثواب والعقاب بالعقل.
العقل عند علماء السلف الصالح يحسَن ويقبَح، والثواب والعقاب عندهم ثابتان بالشرع لا بالعقل، والعقل لا يهتدي عندهم إلى تفاصيل النافع والضار إلا بالشرع، ولا يوجد في الواقع تعارض عندهم بين صريح العقل وصحيح النقل.
الفارق بين القياس وحجة العقل عند منكري القياس من الظاهرية والشيعة: أن القياس تشريع من غير إذن إلهي والحجة العقلية طريق لإثبات صِدْق المخبر في خبره حتى يحصل برد اليقين باتباعه.
لا خلاف بين المعتزلة والأشاعرة والظاهرية والشيعة والسلف الصالح في كون العقل حجة في إدراك المدركات العقلية، بل الجميع متفق على ذلك.
انفراد المعتزلة والشيعة عن الأشاعرة والظاهرية وسلف الأمة الصالح حين رتَّبوا الثواب والعقاب على مجرد إدراك العقل لحُسْن الأشياء وقُبحْها.