(٧) أن المجاز هو ما يصح أن يقال لقائله إنه فيه كاذب لأنه يخبر بالشئ على خلاف حقيقته فيصح أن يقال لمن قال رأيت أسدا يرمي إنك كاذب حيث لم ير أسدا وإنما رأى رجلا شجاعا. وهذا ظاهر في ضعف تقسيم اللفظ إلى حقيقة ومجاز.
(٨) أن هذا التقسيم لا ينضبط بضابط صحيح، ولهذا فإن عامة ما يسميه بعضهم مجازا، يسميه غيرهم حقيقة، وكل يدعي أن اللفظ مستعمل في موضوعه وهذا يدل على بطلان هذا التقسيم، وتجرده من الحقيقة.
... وإذا بطل التقسيم بطل تقسيم التقسيم حيث قسموا كل قسم إلى أقسام وهذا ينقصه الدليل الصحيح، والنقل السليم (٥٢) .
... (و) أن التعريفات التي عرفوا بها كلا من الحقيقة والمجاز لم تخل من مناقشة، وذلك أنهم عرفوا الحقيقة "باللفظ المستعمل في موضوعه"، والمجاز "ما استعمل في غير موضوعه"، وهذا يحتاج إلى إثبات الوضع السابق على الاستعمال وهو متعذر.
... ومنهم من زاد "في الاصطلاح الذي به التخاطب"، فيقال من أين يعلم أن هذه الألفاظ التي كانت تتخاطب بها العرب عند نزول القرآن وقبله لم تستعمل قبل ذلك في معنى شئ آخر؟ وإذا لم يعلم هذا النفي لا يعلم أنها حقيقة، ويلزم منه أنه لا يقطع بشيء من الألفاظ أنه حقيقة، ولا قائل بهذا (٥٣) .
... (ز) أن الفروق التي يفرق بها بين الحقيقة والمجاز ليست صحيحة، كقولهم: إن المجاز يصح نفيه، والحقيقة ليست كذلك، وإن المجاز ما يتبادر غيره إلى الذهن، والحقيقة ما تتبادر إلى الذهن، وإن الحقيقة ما يفيد المعنى مجردا عن القرائن، والمجاز مالا يفيد ذلك المعنى إلا مع القرينة (٥٤) .
... فهذه الفروق لم تخل من مناقشات طويلة، ومستلزمات غير سديدة، ثم ما ضابط القرائن، والعلائق التي تذكر؟ كل ذلك وغيره مما ليس له برهان ساطع، وضابط واضح يدل على عدم صحة هذه الفروق وفساد اللازم يدل على فساد الملزوم (٥٥) .