.. (ح) أن هذا التقسيم كثيرا ما استعملته الفرق الضالة، المخالفة لأهل السنة وجعلته تكأة لها في تأويل النصوص ورد الأحاديث الصحيحة، ولم ينقل عن السلف استعماله (٥٦) .
... (ط) أن هذا الأمر يستلزم لوازم غير صحيحة، ويترتب عليه أمور غير سديدة، وما استلزم ذلك فهو مثله، فما أولت الآيات وردت الأحاديث، إلا بدعوى المجاز، وما عطلت الصفات العلي لله جل وعلا وحرفت إلا بدعوى المجاز، فقطع هذا الباب، وسده أسلم للشريعة، وأقوم للملة.
... ومن أشنع اللوازم على قول من فرق بين الحقيقة والمجاز، بأن الحقيقة مالا يصح نفيها، والمجاز ما يصح نفيه، وهذا باطل قطعا. وبهذا الباطل توصل القائلون بالتعطيل إلى نفي صفات الكمال والجلال الثابتة لله تعالى في الكتاب والسنة بدعوى أنها مجاز، كقولهم في استوى استولى وبتأويلهم اليد بالقدرة والنعمة، والمجيء بمجيء الأمر، وقس على هذا (٥٧) .
ثالثا: أدلة المانعين منه في القرآن ومناقشتهم للمخالفين:
... من ذلك إضافة إلى ما سبق: أننا لو أثبتنا المجاز في القرآن لصح أن نطلق على الله سبحانه اسم متجوز ومستعير وهذا لا يصح لأن أسماء الله توقيفية.
... كما أن دعواهم في القرآن بضرب الأمثلة المعروفة غير صحيحة، فالآيات والأمثلة التي ذكروها لا مجاز فيها، وإنما هي أساليب استعملتها العرب، ومعان حقيقية جاءت بها اللغة، فمثلا قوله تعالى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}(٥٨) فيه حذف مضاف، وحذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، أسلوب من أساليب العربية معروف (٥٩) . لأنه مما يعلم وحذف ما علم جائز كما قرره علماء العربية.
... وأيضا: فإن العرب استعملت لفظ القرية ونحوه من الألفاظ التي فيها الحال والمحل، وهما داخلان في الاسم، كالمدينة والنهر، والميزاب وغيرها، وأطلقت هذه الألفاظ تارة على المحل، وهو المكان، وتارة على الحال وهو السكان، وهذا أسلوب مشهور من أساليب العربية.