.. وهذا المثال ذكره بعض الأصوليين لإثبات المجاز في القرآن (٩٢) ، فعلى هذا المذهب أن في الآية مجازا يكون المعنى: أن الله منور السموات والأرض بالنور المخلوق أو هادي أهلها.
... والحق عند أهل السنة أن الآية على حقيقتها، لا مجاز فيها، وأن من أسمائه تعالى النور، وهو اسم تلقته الأمة بالقبول، وأثبت في الأسماء الحسنى ولم ينكره أحد من السلف، ومحال أن يسمي الله نفسه نورا، وليس له نور ولا صفة النور ثابتة له، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بإثباتها على حقيقتها (٩٣) .
... هذا المثال ذكره بعضهم لإثبات المجاز في القرآن، مع اختلافهم في معنى ايذاء الله تعالى.
... فيرى بعضهم أن معنى إيذاء الله: إيذاء رسوله (٩٥) .
... ويرى آخرون أن معنى إيذاء الله: إيذاء أوليائه (٩٦) .
... والذي اضطرهم إلى هذا التأويل الواضح ادعاؤهم المجاز فيها.
... والحق: أن كلا التفسيرين ليس صحيحا، بل تحمل الآية على حقيقتها وتجرى على ظاهرها، ويكون المعنى الصحيح لإيذاء الله: الكفر به، ومخالفة أوامره، وارتكاب زواجره، واتخاذ الأنداد والشركاء له، وتكذيب رسله عليهم الصلاة والسلام (٩٧) ، ويدل على ذلك المعنى حديث "ليس أحد أصبر على أذى سمعه من الله، إنهم ليدعون له ولدا، ويجعلون له أندادا، وهو مع ذلك يعافيهم ويرزقهم"(٩٨) .
... وأما تفسير من أوله بأنه إيذاء رسوله فهو مردود، بما ذكر، ثم إن الله نص في الآية نفسها على إيذاء الرسول بعد ذكره إيذاءه، فقال:{إن الذين يؤذون الله ورسوله} فيكون الكلام على هذا القول مكررا وهذا محال لمنافاته الأسلوب الصحيح، والتعبير السليم، الذي جرى عليه كتاب الله.
... وأما تفسير من قال بأنهم يؤذون أولياءه فهو غير صحيح من جهتين:
... الأولى: ما ذكر سابقا من المعنى الصحيح في الآية.