.. الثانية: أن الآية نفسها فيها ذكر للرسول، وللمؤمنين والمؤمنات وهم أولياء الله، فيكون في الكلام تكرار لا يليق بكتاب الله، ولو قيل به لحصل المحظور، وهو صرف الآية عن ظاهرها، وتأويلها على غير حقيقتها، والوقوع في التكرار الممنوع الذي يجعل المعطوف عليه بمعنى المعطوف فيكون معنى لفظ الجلالة "الله" بمعنى لفظ "الرسول" وبمعنى لفظ "المؤمنين"، وهذا غير مراد قطعا.
... المثال الثالث والرابع: قوله تعالى: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ}(٩٩) ، و {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ}(١٠٠) .
... فهذان مثالان ذكرهما بعض الأصوليين لإثبات المجاز في القرآن (١٠١) وليس الأمر كذلك، فلا مجاز في هذه الآيات وأمثالها، بل هي على حقيقتها، عند أهل السنة والجماعة، لأن مسميات هذه الأسماء إذا فعلت بمن لا يستحق العقوبة كانت ظلما له، وأما إذا فعلت بمن فعلها بالمجني عليه، عقوبة له بمثل فعله، كانت عدلا، كما قال تعالى:{كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ}(١٠٢) فكاد له كما كاد له إخوته لما قال له أبوه {لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا}(١٠٣) .
... ومعنى استهزاء الله ومكره: إيقاع استهزائهم، ورد خداعهم ومكرهم عليهم، وقيل: استدراجه لهم، وقيل: إنه يظهر لهم في الدنيا خلاف ما أبطن في الآخرة، وقيل: هو تجهيلهم، وتخطئتهم فيما فعلوه (١٠٤) .
... قال شيخ الإسلام ابن تيميه بعد ذكره لهذه الأمثلة والمعاني:"وهذا كله حق، وهو استهزاء بهم حقيقة"(١٠٥) .