للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد أن أقام العباسيون دولتهم في العراق سنة ١٣١هـ / ٧٤٨م كان النفوذ البيزنطي قابعاً في شمال الشام حيث تحصن الروم في مواقع حصينة في جبال طوروس وآسيا الصغرى وبحر مرمرة (١) ، وأخذوا يطلّون منها على المسلمين ساعات الضعف أو الانشغال ويتراجعون إليها في ساعة القوة، وبدايةً انتهز الإمبراطور قسطنطين الخامس كوروليموس (٢) (١٢٤ – ١٥٩هـ / ٧٤١ - ٧٧٥م) فرصة انشغال العباسيين بأحداث إقامة دولتهم والتمكن لأنفسهم ومواجهة مشاكل المركزية والإقليمية وأغار في سنة (١٣٣هـ/ ٧٥٠م) على منطقة الحدود (الحدود بين المسلمين والروم) - أي منطقة الثغور (٣) - وأتى على جهود المسلمين في التحصين، ودمَّر خطّ حصون الفرات، ثم الخطّ الممتد من نهر الفرات إلى البحر الأبيض المتوسط، وهدّد النظام الثغري كله تهديداً خطيراً فحاصر ملطية (٤) واستسلم أهلها له، ولذلك اهتم أبو جعفر المنصور (٥) (١٣٧ - ١٥٨هـ/٧٥٤ - ٧٧٤م) بتحصين الحدود، فأمر عمّه - صالح بن علي - بإعادة تحصين ملطية (٦) .

ويبدو أنه أول من جعل لمنطقة الجزيرة كياناً إدارياً مستقلاً (٧) ؛ فقد ولى عبد الوهاب بن إبراهيم الإمام على الجزيرة والثغور، وسخّر في ذلك العمل الجليل جنود الدولة الجدد، فقد خرج الحسن بن قحطبة في سبعين ألفاً، وجمع العمال من كافة البلاد الإسلامية، ويذكر البعض أن الحسن كان يحمل الحجارة بنفسه احتساباً، وقد استطاع الجند الخراسانية أن يعيدوا بناء ملطية في نحو ستة شهور (٨) ، ومن ذلك تبين أن المنصور هو الذي وضع أساس النظام الثغري الذي وصل إلى حدّ الكمال زمن المعتصم (٩) (٢١٨ – ٢٢٧هـ / ٨٣٣ - ٨٤١) (١٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>