كما حرص المنصور على وضع أسلوب للقتال وتقاليده، والذي حافظ عليه الخلفاء الذين تعاقبوا بعده، ففي عهده نظمت الصوائف والشواتي، فقد كانت هناك أوقات معيّنة يغير فيها المرابطون في الثغور تحدث في فصل الربيع والصيف وتسمى بالصوائف ويشير قدامة بن جعفر (١) إلى أن غزو الربيع كان يبدأ في منتصف مايو بعد أن تكون الخيل قد سمنت وقويت من رعيها، ويستمر الغزو ثلاثين يوماً (أي حتى منتصف شهر يونيو) وتجد الخيول أثناء هذه الغارات الغذاء الوفير والمرعى الخصيب في أراضي البيزنطيين التي تعيث فيها، ثم يركن المسلمون إلى الراحة حتى منتصف يوليو، فتبدأ غارات الصيف وتستغرق قرابة الشهرين. ويبدو أن ممن اشتهر بالبطولة في ميدان الصوائف في عهد المنصور رجل يدعى مالك بن عبد الله الخثعمي الذي بلغ من شدة بلائه في الحرب وظفره فيها وغنائمه الكثيرة منها أن سمي مالك الصوائف (٢) .
أما الشواتي فكانت تبدأ في مستهل فبراير والنصف الأول من مارس (٣) وكانت غزوات المسلمين تتركز في الصيف وقلّما تحدث في الشتاء؛ نظراً للبرودة الشديدة في بلاد الروم، وخاصة أن الثغور يقع معظمها في أعالي جبال طوروس حيث تغطى بالثلج أغلب فصل الشتاء والربيع (٤) ، وربما أيضاً لأن طبيعة العنصر العربي الشرقي لا يحتمل هذه البرودة وهذه الثلوج.
وكذلك لأن تحركات الجند تكون بطيئة بسبب الأمطار والوحول وغيرها.
وتابع محمد المهدي (٥)(١٥٨ - ١٦٩هـ/ ٧٧٤ – ٧٨٥م) السير على درب أبيه في بناء الحصون، وحشد الجند ومحاولة تأمين حدود الشام من غارات البيزنطيين، فتصدى للإمبراطور البيزنطي ليو الرابع (١٥٩-١٦٤هـ٧٧٥-٧٨٠م) وأرسل عدة حملات، منها حملة بقيادة الحسن ابن قحطبة سنة (١٦١هـ / ٧٧٧م) الذي دخل بلاد الروم وثقلت وطأته على أهلها حتى صوّروه في كنائسهم (٦) .