ولقد أثمرت استراتيجية المنصور وابنه المهدي في شمال الشام، وأصبحت مدنه - وفي مقدمتها ملطية - حصناً منيعاً للقوات الإسلامية يهاجمون منه القوات البيزنطية التي لا تفتأ في الإغارة على المسلمين من حين لآخر، وكانت سنّة حميدة طبّقها من جاء بعدهم من خلفاء بني العباس حتى إذا اكتملت أصبحت درعاً يقي المسلمين من أخطار أعدائهم.
وكان للصوائف والشواتي أثرها الكبير في نفوس البيزنطيين، فبعد أن كانت الإدارة البيزنطية لا تعير المسلمين كثيراً من الاهتمام؛ لأنهم في نظرهم قبائل بدائية يفتقرون إلى النظام والوحدة (١) ، - وربما كان هذا قبل خلافة معاوية بن أبي سفيان - أصبحوا بعد ذلك يحسبون لهم ألف حساب، فقد أرغمتهم سياسة المسلمين في الشواتي والصوائف إلى إخلاء منطقة الحدود في أطراف دولتهم من السكان؛ حتى لا تتعرض لهجمات المسلمين في الصيف والشتاء، في حين أبقوا بعض الحاميات للدفاع عنها فقط، مما شجع خلفاء بني العباس بعد المهدي على انتهاج نفس السياسة.
ب - دور الرشيد (٢) في هذه العلاقة في خلافة والده المهدي:
لم يكتف المهدي بما أحرزه الحسن بن قحطبة من نصر في أرض الروم؛ بل قرر أن يغزوهم بنفسه ويصحب معه ابنه هارون الرشيد، فتحرك الجيش الإسلامي من بغداد في جمادى الآخرة سنه ١٦٣هـ / ٧٧٩م وجعل عليها ابنه موسى الهادي (٣)(١٦٩ - ١٧٠هـ / ٧٨٥ - ٧٨٦م) وبعد أن وصل المسلمون حلب سلّم قيادة الجيش لابنه الرشيد لانشغاله بإدارة الدولة العباسية - فواصل الطريق مخترقاً آسيا الصغرى حتى بلغ مدينة صمالو (٤) ، وحاصر قلعتها صمالو، ونصب المجانيق عليها ثمان وثلاثين ليلة حتى فتحها الله عليهم (٥) .