وقاد عبد الرحمن بن عبد الملك – كذلك – الصائفة – سنة ١٧٦هـ / ٧٩٢م – وفتح المسلمون أحد حصون الروم (١) كما فتحوا مدينة دبسة (٢) ، ثم عادوا سالمين، وإن قيادة عبد الرحمن بن عبد الملك المتكررة يدل على أنه كان على اطلاع تام بسياسة البيزنطيين، ومعرفة واضحة بنقاط الضعف والقوة فيهم، وخبرة بأرض الروم، مما دفع الرشيد إلى أن يبعث به على قيادة الصوائف أكثر من مرة.
وفي سنة ١٧٧هـ / ٧٩٣م سيّر الرشيد ثلاث صوائف وشاتية، قاد الصائفة الأولى عبد الرزاق بن عبد الحميد التغلبي (٣) ، وحين وصل المسلمون حدود أرض الروم (مساء السبت، السادس والعشرين من محرم) هبت ريح قوية، وتلوّنت السماء بالحمرة وأعقب ذلك ظلام دامس، فعاد المسلمون إلى معسكرهم في العواصم، وبعد ليلتين (مساء الثلاثاء الثامن والعشرين من محرم) حاولوا إعادة الكرة على الروم، وحال دون ذلك شدة الظلام، ثم حاولوا للمرة الثالثة بعد ثلاث ليالٍ (مساء الجمعة أول يوم من صفر) فعادت الريح قوية واشتد ظلام الليل، وعاد المسلمون إلى الشام (٤) ، دون أن يلتقوا بالروم بسبب الظروف المناخية التي أرسلها الله إليهم؛ لتمنع وصولهم إلى أرض الروم حتى لا تصيبهم سيوف العدو الذي يفوقهم عدداً وعدة، أو يأخذهم الروم بغتة من حيث لا يشعرون في خضم هذه الأجواء المتقلبة.
ويذكر ابن خياط (٥) أن الصائفة الثانية – وكانت في ربيع أول سنة ١٧٧هـ/ ٧٩٣م – كانت على يد عبد الله بن صالح بن علي (٦) ، وأن الله تعالى أراد بهم خيراً، وكان الجو صافياً، ودخل المسلمون أرض الروم وغزوهم ورجعوا سالمين بعد أن أسروا وغنموا.
وكانت الصائفة الثالثة – وكانت في جمادى أول سنة ١٧٧هـ / ٧٩٣م – على يد يسار بن صقلاب (٧) . وتقدم بأهل المصيّصة (٨) عن طريق الصفصاف (٩) ، ثم طوانة (١٠) ، حتى دخل أرض الروم، وهزمهم وعاد أدراجه بعد أن غنم الكثير وسلم من خطر الروم (١١) .