ولم يدم الصلح – أعني الصلح الأخير (سنة ١٨٢هـ / ٧٩٨م) الذي تعهدت فيه إيريني بدفع جزية سنوية للمسلمين مقدارها تسعون ألف دينار؛ مقابل عدم غزو المسلمين لأرضها – أكثر من أربع سنوات، فاتهمت - من القادة العسكريين وكبار الموظفين - إيريني بتدمير الموارد المالية للدولة البيزنطية (١) ، وخيّم على بلاطها جوّ التآمر والاستبداد، واشتدت المنافسة بين الطواشي (٢) ستورياكوس Stauriacus والطواشي أيتوس Aetius على السلطة والنفوذ (٣) مما أدى إلى نشوب ثورة بالقصر – ١٨٦هـ / ٨٠٢م – دبرّها كبار الموظفين والقادة العسكريين، انتهت باختيار نقفور الأول ١٨٦هـ - ١٩٦هـ ٨٠٢م - ٨١١م (٤) متولي الخزانة (بيت المال) إمبراطوراً، وتقرر نفي إيريني إلى جزائر الأمراء ثم إلى جزيرة لسبوس (٥) سنة ١٩٢هـ / ٨٠٧م ولم تلق الإمبراطورة من يدافع عنها، ويعيدها إلى عرشها الذي اغتصب منها، فكان الجزاء من جنس العمل (٦) .
د – بين الرشيد ونقفور في الفترة ١٨٧ – ١٩٣هـ / ٨٠٢ - ٨٠٨م:
تولى نقفور حكم الإمبراطورية البيزنطية بعد أن كان مسؤولا عن الخزانة المالية فيها، فاهتم بتدعيم اقتصاد البلاد وإنقاذ الخزانة من الإفلاس، الذي نشأ عن إهمال حكومة إيريني، فألغى الأوامر التي أصدرتها إيريني، وامتنع عن دفع الجزية للمسلمين والبلغار، وأعاد الضرائب على سكان بيزنطة، واستولى على بعض أملاك الكنيسة، وأضافها إلى الضياع الإمبراطورية، غير أنه لم يخفض ما عليها من الضرائب، ليستعيد ما بذلته إيريني من الامتيازات والمنح للكنيسة والأديرة كما قام بإصلاح نظام الدفاع عن الإمبراطورية البيزنطية فجعل لكل جندي قطعة أرض مقابل أن يأتي على الفور عند الحاجة إليه بفرس وأداة حربية كاملة، وفرض الخدمة العسكرية على الفلاحين، على أن يلتزم أهل المدن والقرى بتجهيزهم بالعدة الحربية عن طريق ضريبة سنوية تدفع للحكومة (٧) .