أثبتت هذه الأحداث أن بيزنطة كانت تعاني من ضعف الحكام وافتقارهم إلى المقدرة السياسية، خصوصاً فيما يتعلق بمواجهة خصمها التقليدي وهو الخلافة العباسية، فنقفور الذي رفض مواصلة دفع جزية إيريني أصبح عليه الآن الالتزام بالدفع مرة أخرى، بمقتضى اتفاقه مع هارون على النحو الذي عرضنا له، بل إن نقفور يسيء تقدير المواقف مرة أخرى معرضاً بيزنطة للخطر من جانب هارون الرشيد، وذلك حينما خرق اتفاقيته السابقة مع الخليفة العباسي فبعدما تأكد نقفور أن هارون قد وصل إلى الرقة نقض الصلح الذي عقده مع الرشيد (١) ، ولعله ندم على مصالحته للرشيد، خاصة وأنه كرهه قبل ذلك، واتهم إيريني بالضعف والحمق بسببه، ولابد أنه وجد من سوّل له نقض الصلح وطمأنه بأن المسلمين عادوا إلى ديارهم، وأصبحوا بعيدين عنهم، وأنهم لن يتمكنوا من غزوهم في الشتاء القارس وأنهم سيتهيأون لقتالهم في الصيف القادم إن عادوا إليهم. ولعل نقفور قام بهذا العمل من قبيل محاولة الإعلان عن قوة بيزنطة منتهزاً فرصة انشغال هارون الرشيد ببعض الفتن داخل الخلافة العباسية (٢) .
ولما وصلت أخبار نقض الصلح إلى المسلمين ترددوا في إبلاغ الرشيد؛ إشفاقاً عليه وعلى أنفسهم من الكرّة عليهم في مثل تلك الأيام التي كان البرد فيها شديداً (٣) ، لكن احتيل له بشاعر من جنده يقال له: الحجاج بن يوسف التميمي فقال للرشيد: