ولم يظهر من جانب البيزنطيين عداء للمسلمين؛ لانشغالهم بحرب البلغار ومصرع نقفور الأول في ١٩٤هـ / ٨٠٩م وتولية ستوراكيوس ثم ميشيل رانجابي صهره في نفس السنة، ثم عزل الأخير سنة ١٩٧هـ / ٨١٢م على يد ليو الأرمني الذي اعتلى العرش الإمبراطوري في الفترة ١٩٨ – ٢٠٥هـ / ٨١٣ – ٨٢٠م (١) ، ثم إن حملات الرشيد تركت أثراً كبيراً في الدولة البيزنطية، لم تفق منه بسهولة ويسر، يدل على هذا أنها لم تحاول أن تستغل التصدع في داخل الدولة العباسية إبان الفتنة بين الأمين والمأمون، وكانت الفتنة فرصة مواتية لأي هجوم مضاد يستعيد ما فقد في عهد الرشيد (٢) .
ومن أهم الأسباب التي حالت بين البيزنطيين وبين مواصلة العدوان التفاهم الذي توطّد بين العباسيين والفرنجة (٣) - بخوفهم من تعاون الطرفين عليهم -، والذي لم يختف بوفاة الرشيد بل ظلت أواصره معقودة حتى أوائل عصر المأمون وحين نقرأ أن آخر السفارات التي وصلت إلى البلاط العباسي كانت سنة ٢١٦هـ / ٨٣١م (٤) نعرف أن التفاهم بين الجانبين العباسي والفرنجي استمر بعد الرشيد مدة طويلة.
وهكذا كانت العلاقة بين الدولة العباسية والإمبراطورية البيزنطية – خلال أيام الرشيد – عدائية متوترة، إلاّ ما تخلّلها من بعض المهادنات، فبعد أن استكمل الرشيد تحصينات الثغور المتاخمة للبيزنطيين، وأقام منطقة العواصم – وقاعدتها منبج – واصل سياسة آبائه وأجداده، وشنّ الحملات على أرض الروم، وأظهر القادة المسلمون وفي مقدمتهم الخليفة هارون الرشيد صوراً من البطولة والشجاعة جعلت الروم ينهزمون أمامهم مرات عديدة، فأمّن المسلمون ثغورهم وباغتوا عدوهم في داخل أرضه.