ومن الأدلة التاريخية القاطعة على ما ذكرناه آنفاً ما ذكره ابن الأثير في أحداث سنة ٥٤٨هـ / ١١٥٣م من عدم تسامح روجر مع أحد قادته العسكريين حيث أحرقه، لأنه تهاون مع بعض الأسرى المسلمين، قال ابن الأثير:(وفي هذه السنة – أي سنة ٥٤٨ هـ – سار أسطول رجار ملك الفرنج بصقلية إلى مدينة بونه (٩٦) ، وكان المقدم عليهم فتاه فيلب المهدوي، فحاصرها واستعان بالعرب عليها، فأخذها في رجب، وسبى أهلها، وملك ما فيها، غير أنه أغضى عن جماعة من العلماء والصالحين، حتى خرجوا بأهليهم وأموالهم إلى القرى .... وعاد إلى صقلية، فقبض عليه رجار لما اعتمده عليه من الرفق بالمسلمين في بونه ... فجمع رجار الأساقفة والقساوس والفرسان، فحكموا بأن يحرق، فأحرق في رمضان؛ وهذا أول وهن دخل على المسلمين بصقلية) (٩٧) .
وهذا التحول الخطير في سياسة روجر تجاه المسلمين لابد وأن يكون له أسبابه، ولعل السبب الأقوى في ذلك هو ظهور الموحدين كقوة إسلامية كبيرة في شمال إفريقيا، وذلك في أواخر أيام روجر، وفعلاً فلقد كان الموحدون قوة خطيرة تمكنوا من استعادة المهدية من النورمان. ولذا فإن روجر خشي من تعاون المسلمين في صقلية مع الموحدين مستقبلاً، فعمد إلى تغيير سياسته تجاه المسلمين، حيث نهج سياسة تقضي بتنصير المسلمين واليهود المقيمين في جزيرة صقلية حتى لا يبقى إلا دين المسيحية في تلك الجزيرة.
وهناك من يرى أن من جملة أسباب تلك السياسة التي انتهجها روجر تجاه المسلمين؛ أسباب شخصية كوفاة ثلاثة من أبنائه خلال فترة تسع سنوات، وسوء حالته الصحية، وأسباب سياسيه، كقيام الإمبراطور البيزنطي منويل كومنينوس بالحشد والتعبئة في منطقة البحر الإدرياتيكي (٩٨) .
وتنتهي فترة حكم روجر الثاني بوفاته سنة ٥٤٩هـ / ١١٥٤م، وملك بعده ابنه غليالم الأول، الذي وصفه ابن الأثير بأنه كان (فاسد التدبير، سيئ التصوير)(٩٩) .