للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما عن العقوبة الصادرة بحقه فقد كانت عبارة عن مصادرات بلغت قيمتها أكثر من ثلاثين ألف دينار، (ولم يزل يتخلى عن جميع ديارة وأملاكه الموروثة عن سلفه حتى بقي دون مال) (١٣٣) .

ويصل الحال بزعيم المسلمين في صقلية أن يقول: (كنت أود لو أباع أنا وأهل بيتي، فلعل البيع كان يخلصنا مما نحن فيه، ويؤدي بنا إلى الحصول في بلاد المسلمين) (١) ١٣) .

وهنا نقف موقف المتأمل من هذا القول كما وقف ابن جبير متأملاً، من هذا الحال الذي آل إليه مع جلالة قدره وعظم منصبه، إذ أن مكانته قد بلغت عند المسلمين في الجزيرة مبلغاً عظيماً (فلو تنصر لما بقي في الجزيرة مسلم إلا وفعل فعله اتباعاً له، واقتداءاً به) (١٣٥) .

ويختم ابن جبير الحديث عنه بقوله: (فسألنا له من الله عز وجل حسن التخلص مما هو فيه ولسائر المسلمين من أهل هذه الجزيرة، وواجب على كل مسلم الدعاء لهم في كل موقف يقفه بين يدي الله عز وجل، وفارقناه باكياً مبكياً، واستمال نفوسنا شرف منزعه، وخصوصية شمائله، ورزانة حصاته، وشمول مبرته وتكرمه، وحسن خلقه وخليقته) (١٣٦) .

ويعطينا ابن جبير صورة يتبين من خلالها كيفية اعتناق بعض أبناء وبنات المسلمين الديانة المسيحية، فيقول: (وإن أعظم ما مني به أهل هذه الجزيرة، أن الرجل ربما غضب على ابنه أو زوجه، أو تغضب امرأة من ابنتها فتلحق المغضوب عليه أنفة، تؤدي به إلى الذهاب إلى الكنيسة فيتنصر، فلا يجد الأب للإبن سبيلاً، ولا الأم للبنت سبيلاً، فتخيل حال من يمنى بمثل هذا في أهله وولده) (١٣٧) .

الحالة السابقة التي ذكرها ابن جبير تعود إلى سبب رئيسي واحد، وهو ضعف الإيمان في نفوس أولئك، وإلا لما هان عليهم إسلامهم بهذه السهولة، والتاريخ مليء بنماذج لأشخاص عذبوا كثيراً بسبب إيمانهم، ومع ذلك فقد صمدوا صمود الجبال الراسيات.

<<  <  ج: ص:  >  >>