سبق وأن أشرنا أن ابن قلاقس الأديب الاسكندري ألّف كتابا لزعيم المسلمين في صقلية بعنوان (الزهر الباسم في أوصاف أبي القاسم) ، وهذا الزعيم هو أبو القاسم بن محمد بن حمود، وينتسب إلى بيت عربي إسلامي كانت له السيادة قبل سقوط صقلية على بعض مدنها، واحتفظ بتلك المكانة بعد السقوط بما له من أملاك ومكانه، والسيادة هنا أسمية وشرفية، ولها وقعها المباشر على المسلمين.
وقد لقي هذا البيت معاملة حسنة من جانب النورمان بداية حيث استسلم على شروط الأمان والاطمئنان إلى الإسلام وضمان حقوق من معهم من المسلمين (١٢٩) .
ولكن الأحوال ساءت مع المسلمين، وبالتالي لابد أن تسوء مع رئيس البيت الحمودي وزعيم المسلمين في صقلية وخير من يدلنا على تلك الأحوال ابن جبير الذي التقى بزعيم المسلمين، حيث كان اللقاء في (طرابنش) إحدى مدن جزيرة صقلية سنة ٥٨٠هـ / ١١٨٥م.
وقد بدأ ابن جبير يذكر مآثر الرجل ومناقبه وصفاته ومكانته في صقلية، فقال:(ووصل هذه الأيام إلى هذه البلدة زعيم أهل هذه الجزيرة من المسلمين وسيدهم القائد ابو القاسم بن حمود، المعروف بابن الحجر، وهذا الرجل من أهل بيت بهذه الجزيرة توارثوا السيادة كابراً عن كابر، وقرر لدينا مع ذلك أنه من أهل العمل الصالح مريد للخير محب في أهله كثير الصنائع الأخروية من افتكاك الأسارى، وبث الصدقات في الغرباء والمنقطعين من الحجاج، إلى مآثر جمة ومناقب كريمة)(١٣٠) .
وتظهر مكانة الرجل لدى عامة المسلمين من قول ابن جبير (وارتجت هذه المدينة لوصوله)(١٣١) .
ثم يحدثنا ابن جبير بعد ذلك عن حالته مع الملك النورماني غليالم الثاني الذي يصفه بالطاغية، فيقول:(وكان في هذه المدة تحت هجران من هذه الطاغية ألزمه داره بمطالبة توجهت عليه من أعدائه افتروا عليه فيها أحاديث مزورة نسبوا إليه فيها مخاطبة الموحدين أيدهم الله فكادت تقضي عليه)(١٣٢) .