وقد قرن أرسطو المحاكاة بالمجاز، لأنها ضرب من الرسم والصورة والابتكار، كما تقوم على أساس التبديلات اللغوية، وهذه التبديلات تجسد تعدد المعاني والدلالات، والاحتمالات المختلفة للتركيب اللغوي، ولعل هذا ما يميز بشكل جوهري اللغة العادية عن اللغة الأدبية. يقول: لما كان الشاعر محاكياً شأنه شأن الرسام، وكل فنان يصنع الصور فينبغي عليه بالضرورة أن يتخذ دائماً إحدى طرق المحاكاة الثلاث: فهو يصور الأشياء إما كما كانت أو كما هي في الواقع، أو كما يصفها الناس وتبدو عليه أو كما يجب أن تكون. وهو إنما يصورها بالقول، ويشمل: الكلمة الغريبة والمجاز، وكثيراً من التبديلات اللغوية التي أجزناها للشعراء (١٣) .
كما ربط أرسطو المجاز بالأسلوب مبيناً دور المجاز في خلق التعبيرات الرشيقة ذات الدلالات المتعددة التي تحدث تمويهاً مثيراً للدهشة والتساؤل والاستغراب لدى المتلقي، بحيث يشعر معها بلذة الكشف، ومتعة المواجهة لتمويهات المبدع من خلال لغته المبنية على المجاز بكل ضروبه وأساليبه. يقول:"ومعظم التعبيرات الرشيقة تنشأ عن التغيير (المجاز) وعن نوع من التمويه يدركه السامع فيما بعد، ويزداد إدراكاً كلما ازداد علماً، وكلما كان الموضوع مغايراً لما كان يتوقعه، وكأن النفس تقول: هذا حق! وأنا التي أخطأت. واللطيف الرشيق من الأمثال ما يوحي بمعنى أكثر مما يتضمنه اللفظ"(١٤) .