كما قرن ابن سينا المجاز والتشبيه والاستعارة بعملية التخييل، وعدها وسائل يتحقق من خلالها فعل التخييل (٢٤) . ولعل غاية التخييل هنا هو المتلقي للعمل الإبداعي. ولذلك فإن إثارة المتلقي وإحداث اللذة والمتعة عنده ترتبط بالمجاز وضروبه المختلفة، وهذه المتعة تعد وظيفة أساسية للمجاز، ذلك المجاز الذي يتحقق في الشعر والعمل الفني عموماً. يقول:"أما الكلام في الشعر وأنواع الشعر وخاصة كل واحد منها ووجه إجادة قرض الأمثال والخرافات الشعرية، وهي بالأقاويل المخيلة، وإبانة أجزاء كل نوع بكميته وكيفيته–فسنقول فيه إن كل مثل وخرافة فإما أن يكون على سبيل تشبيه بآخر، وإما على سبيل أخذ الشيء نفسه لا على ما هو عليه، بل على سبيل التبديل، وهو الاستعارة أو المجاز، وإما على سبيل التركيب منهما. فإن المحاكاة كشيء طبيعي للإنسان، والمحاكاة هي إيراد مثل الشيء وليس هوهو، فذلك كما يحاكى الحيوان الطبيعي بصورة هي في الظاهر كالطبيعي. ولذلك يتشبه بعض الناس في أحواله ببعض ويحاكي بعضهم بعضاً ويحاكون غيرهم. فمن ذلك ما يصدر عن صناعة، ومن ذلك ما يتبع العادة، وأيضاً من ذلك ما يكون بفعل"(٢٥) .
ومن هنا، فإن ابن سينا يقد استطاع تحديد مفهوم المجاز المرتبط بالخروج على المألوف، فضلاً عن ربطه المجاز وضروبه بالتخييل، وهذا ما يتعلق بالمتلقي الذي يشكل ركناً رئيساً في العملية الإبداعية. فالمجاز يحدث لدى المتلقي من خلال وسائله الأسلوبية المختلفة هزة ولذة عارمة حيث يحفز المتلقي كذلك على الكشف والتأويل والتفسير لدقائق العمل الفني وإيحاءاته وصوره.