للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالمجاز مرتبط عند ابن سينا بالتغيير، وهذا هو جوهر العمل الإبداعي، فبدون المجاز وضروبه لا يمكن أن تتشكل اللغة الإبداعية التي تدهش المتلقي بحيلها وتمويهاتها الفنية. وبالتالي فقد استطاع ابن سينا من خلال المجاز وربطه بالتخييل أن يضع حداً فاصلاً بين لغة الكلام أو الكتابة العادية ولغة الإبداع المتمثلة بالشعر والكتابة الفنية. وهذا يعني أن ابن سينا قد أدرك بشكل واضح أن هناك مستويين للغة: المستوى العادي الذي لا تخرج فيه الألفاظ عن دلالتها ومعانيها المحددة، والمستوى الأدبي أو الجمالي الذي تخرج فيه الألفاظ عن دلالتها المحددة إلى دلالات أخرى يقتضيها السياق أو التركيب، وهذا ما سماه ابن سينا بالتغيير أي الإنحراف عن التراكيب اللغوية المعتادة إلى تراكيب فيها حذف وتقديم وتأخير (٢٦) ، يقول ابن سينا كذلك: "واعلم أن القول يرشق بالتغيير. والتغيير هو أن لا يستعمل كما يوجبه المعنى فقط، بل أن يستعير، ويبدل، ويشبه" (٢٧) .

ثالثاً- المجاز عند ابن رشد

لقد توسع ابن رشد في تحديد مفهوم المجاز وضروبه المختلفة اكثر من ابن سينا. حيث بين ابن رشد أولاً أنه يعني بالمجاز الاستعارة والتشبيه. يقول: " ان المجاز استعارة وتشبيه (٢٨) . كما ذكر ضروبا أخرى من المجاز حاصرا إياها بالتغيير وهو الخروج على المألوف في التركيب والصياغة الأدبية. يقول: "والتغييرات تكون بالموازنة والموافقة والإبدال والتشبيه، وبالجملة: بإخراج القول غير مخرج العادة، مثل: القلب والحذف والزيادة والنقصان والتقديم والتأخير وتغيير القول من الإيجاب الى السلب ومن السلب إلى الإيجاب، وبالجملة: من المقابل الى المقابل، وبالجملة: بجميع الأنواع التي تسمى عندنا مجازاً" (٢٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>