كما أن الغرابة المتمثلة في النص الإبداعي تحدث لدى المتلقي لذة ودهشة كبيرة، وهذه اللذة تنتج عن محاولة المبدع فك أسرار النص وتحليلها. يقول ابن رشد:"والتغيير بالجملة يعطي في المعنى جودة إفهام وغرابة ولذة"(٣٧) .
ولهذا فإن ابن رشد قد استطاع تحديد مفهوم المجاز ووظيفته المرتبطة بالمتلقي من خلال اللذة والتخييل، ولعل اللذة ناتجة عن دور المجاز في بنية النص، فضلاً عن ضروب المجاز المختلفة التي تجعل من النص الإبداعي نصاً إبداعياً متميزاً عن النص العادي الذي يكتب بلغة وصفية تقريرية.
• • •
رابعاً- الخاتمة.
لقد كان موضوع الفصل بين اللغة الشعرية ولغة البرهان التقريرية ديدن النقاد قديماً وحديثاً.
حيث أدرك أرسطو في كتابيه فن الشعر والخطابة الفرق بين لغة الشعر الإبداعية ولغة البرهان التقريرية، وذلك من خلال فهمه وتحديده لمصطلح المجاز الذي يرتبط ارتباطاً جوهرياً بالقول الشعري والعمل الإبداعي بشكل عام.
فالمجاز يجسد الطاقة المولدة للعمل الإبداعي، ومن خلال المجاز تتحقق المتعة واللذة عند المتلقي.
فانتقال أسلوب الكلام من المخاطب إلى الغائب أو من الإيجاز إلى الإطناب أو إلى التورية والكناية يجعل العمل الإبداعي أكثر إثارة ودهشة وحفزاً للمتلقي على تأمل النص الإبداعي ومحاولة تفسيره وسبر أغواره.
كما كان هذا الدور المهم للمجاز موضع عناية النقاد والبلاغيين العرب القدماء، حيث ناقش النقاد موضوع المجاز وضروبه، وكذلك علاقة هذا المصطلح بتفسير القرآن الكريم، مما جعل منه الغاية التي يسعى إليها النقاد للوقوف على دوره وأهميته في الإبداع وتحريك ذهن المتلقي ومخيلته في الكشف عن جماليات النص الإبداعي وأسراره.