وقد تجلى معنى المجاز من خلال شرح ابن رشد لكيفية التغيير، الذي يعني الصورة غير المطابقة للأصل، وإنما يعني الصورة الشبيهة، ولذا حصر ابن رشد التغيير الناتج عن المجاز في جميع ضروب البلاغة مثل البيان والمعاني والبديع، وبهذا يكون المجاز قد أصبح يعني البلاغة العربية، تلك البلاغة التي تقوم على فعل التغيير والتجاوز للمألوف. يقول:"ومعنى التغيير أن يكون المقصود يدل عليه لفظ ما فيستعمل بذلك اللفظ لفظ آخر. وهذا التغيير يكون على ضربين: أحدهما أن يستعمل لفظ شبيه الشيء مع لفظ الشيء نفسه ويضاف إليه الحرف الدال في ذلك اللسان على التشبيه. وهذا الضرب من التغيير يسمى "التمثيل" و "التشبيه"، وهو خاص جداً بالشعر. والنوع الثاني من التغيير يؤتى بدل ذلك اللفظ بلفظ الشبيه به، أو بلفظ المتصل به من غير أن يؤتى معه بلفظ الشيء نفسه، وهذا النوع في هذه الصناعة يسمى "الابدال" وهو الذي يسميه أهل زماننا بالاستعارة والبديع"(٣٤) .
كما عد ابن رشد التخييل حداً فاصلاً بين الأقاويل الخطبية والأقاويل الشعرية، فالتخييل بالشعر. ولذلك فالمجاز هو الطاقة المولدة للشعرية التي تحدث التخييل وتصنعه، ولعل فعل التخييل مرتبط بالمتلقي من حيث الاستفزاز والدهشة واللذة التي تصيب المتلقي نتيجة تفاعله مع العمل الإبداعي. يقول:"فلذلك ما ينبغي في هاتين الصناعتين أن تحصر الأحوال التي إذا استعملت في الألفاظ كانت بها الأقاويل البلاغية أتم إقناعاً والشعرية أتم تخييلاً"(٣٥) .
وقد بين ابن رشد أن وظيفة المجاز ممثلة بالتغيير بصفة خاصة تنحصر في إحداث التخييل واللذة لدى المتلقي. يقول:"فقد تبين من هذا أن الضمائر والمثالات المنجحة في هذه الصناعة إنما هي التي تؤلف من أمثال هذه المعاني وأن الألفاظ المنجحة هي المغيرة –أعني المستعارة- تغييراً يفعل بالالتذاذ والتخييل"(٣٦) .