للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالمجاز إذاً محصور بفعل التغيير، وهذا التغيير مرتبط بالقول الشعري، لأن الشعر عمل إبداعي فيه تجاوز للمألوف وخروج عن القواعد المتعارف عليها صوتيا أو دلالياً أو تركيبياً. وقد وضح ابن رشد هذا الفهم من خلال مثال شعري طالما اختلف النقاد العرب القدماء في تفسيره وتقييمه فنياً. يقول ابن رشد: "والقول إنما يكون مختلفاً، أي مغيراً عن القول الحقيقي من حيث توضع فيه الأسماء متوافقة في الموازنة والمقدار، وبالأسماء الغريبة، وبغير ذلك من أنواع التغيير. وقد يستدل على أن القول الشعري هو المغير أنه إذا غير القول الحقيقي سمي شعراً أو قولاً شعرياً، ووجد له فعل الشعر، مثال ذلك قول القائل:

ولما قضينا من منى كل حاجة ومسح بالأركان من هو ماسح

أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا وسالت بأعناق المطي الأباطح

إنما صار شعراً من قبل أنه استعمل قوله: أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا، وسألت بأعناق المطي الأباطح، بدل قوله: تحدثنا ومشينا" (٣١) .

كما أكد ابن رشد فهمه للتغيير بأنه يعني الغلو والإفراط والتجاوز للمألوف أيضاً، وهذا الفعل مرتبط بالشعر بوصفه عملاً إبداعياً. يقول: "ومن التغييرات أيضاً الإفراطات في الأقاويل والغلو فيها" (٣٢) . وهذه التغييرات تطرح صيغة غير مألوفة في الكتابة أو الكلام العادي. يقول ابن رشد بهذا الخصوص: "والإغرابات التي تنجح في هذه الصناعة من قبل التركيب الغير المعتاد في الأقاويل هي أيضاً تغييرات، يريد بحسب التركيب لا بحسب الألفاظ المفردة، وذلك فيما أحسب مثل التقديم والتأخير والحذف والزيادة والإغرابات الغريبة" (٣٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>