للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

((واعلم أنَّ العربَ كما يكنون عن الموت تطيراً من ذكره، كذلك يكنون عن القتل، فيقولون: ركب فلانٌ الأغرَّ الأشقَر إذا قُتل، ويكنى عن قتل الملوك خاصة بالمشعرة، إذ كانوا يكبرون أن يقولوا قُتِل، فيقولون أشعر من إشعار البدن)) .

ويقول الثعالبيُّ في الكناية عمّا يُتطيرُ من لفظه:

((يكنى عن اللديغ بالسليم، وعن الأعمى بالبصير، وعن المهلكةِ بالمفازة)) (١) .

ويقول الجرجانيُّ:

وأعلم أنّ العربَ تتطير من ذكر البرصِ، فتكنى عنه بالوضحِ، ومنه سُمِّيَ جذيمةُ الوضاحُ.

ويقولُ: ومما يُتَفَاءَل بذكره قولُهُمْ للفلاةِ مفازةٌ؛ لأن القفارَ في ركوبها الهلاكُ فكان حقُها أن تسمّى مَهْلَكَةً ولكنهم أحسنوا لفظها تطيراً بها، وعكسوه تفاؤلاً، ومن ذلك تسمية اللديغ سليماً والأعور ممتعاً تطيراً من ذكر العور (٢) .

دوافع التَّلَطُف وأسبابه

يرى أولمان أنّ دوافع التَّلَطُف (حسن التعبير) دوافعٌ نفسيّةٌ، وأنَّ المتكلمَ يعمد إلى استعمالِ هذا الأسلوبِ مع كلِّ شيءٍ مقدسٍ أوذى خطرٍ، أو مثيرٍ للرعب والخوفِ، كما يطبقه على الأشياءِ الشائنةِ، أو غيرِ المقبولةِ لدى النفس (٣) .

وَيُجْمِل بعضُ اللغويين المعاصرين هذه الدوافعَ في ثلاثةٍ هي: الخوفُ والفزعُ، الكياسةُ والتأدبُ، الخجلُ والاحتشامُ (٤)

وما قاله أولمان وغيرُه، نلحظه عند القدماءِ من علماء العربيةِ ممن اهتموا بهذا الأسلوب، كالثعالبيِّ والجرجانيِّ – على سبيل المثال – حيث أشار كلّ منهما في مقدمة تأليفه إلى أبرز هذه الدوافع وهي:

<<  <  ج: ص:  >  >>