التَحرزُ عن ذكرِ الفواحشِ السخيفةِ بالكنايات اللطيفةِ التى تفصحُ عن المغزى، وتحسِّنُ القبيحَ، وتلطّفُ الكثيفَ فيحصل المرادُ، وَيلَوُحُ النجاحُ، مع العدولِ عمّا ينبوُ عنه السمعُ، ولا يأنسُ به الطبعُ إلى ما يقومُ مقامَهُ، وينوبُ منابَه من كلامٍ تأذنُ له الأذنُ، ولا يحجبه القلبُ، وما ذلك إلا من البيان في النفوسِ وخصائصِ البلاغةِ، ولطائفِ الصناعةِ (١) .
ونستطيع القولَ بأنَّ أبرز دوافع التَّلَطُف، وأسبابه لدى الجماعة اللغوية، ما يلي:
أولاً: الكياسةُ والتأدبُ والاحتشامُ:
ويعد مجالُ المرأة وعلاقتها بالرجل وما يتصلُ بذلك من أحوالٍ أو أفعالٍ أو أعضاءٍ أبرز وأكبرَ المجالات التى تدفعُ المتكلمُ إلى التَّلَطُف بشأنها، إذ التَّلَطُف في هذا المجال من باب التحرز عن ذكر هذه الألفاظ أو التصريح بها، فيعدل المتكلم إلى الكناية، وهي مطلوبةٌ مستحبةٌ ليس في العربية فحسب بل في معظم اللغاتِ، لأن كلماتِ هذا المجالِ مفضوحةٌ ينفر منها الناس (٢) .
وقد سبقت الإشارة إلى تعليلِ الجرجانيُّ لكثرةِ الكناياتِ عن المرأة عند العرب، وأنّها من باب التذمم من التصريح باسم المرأة. كما هو الحال في وقتنا الحاضر.
وفيما يتعلق بهذا المجال يقول أحدُ المحدثين من علماء العربية:
وكان قد لفت نظري ورودَ جُملةٍ في كتاب ((فقه اللغة)) للثعالبيِّ هي: ((لعل أسماءَ النكاح تبلغُ مائة كلمةٍ عن ثقاتِ الأئمةِ بعضُها أصليٌّ، وبعضُها مَكْنيٌ)) وكنت في أثناء قراءاتي المتكررة للقاموس المحيط للفيروز آبادي، أستغرب كثرة الألفاظِ الجنسيةِ، حتى خُيِّل إلىّ أنَّه لا تخلو مادةٌ من موادِ المعجم العربيّ من لفظٍ جنسيّ دالٍ على اسمٍ أو فعلٍ أو حالٍ لذلك الجانبِ من حياة البشر وحياة الحيوان، ثم يستطرد قائلاً: