وعددتُ أنا الألفاظ المتعلقةَ بهذا المدركِ في القاموسِ فوجدتُها تزيدُ على ألفٍ ومائتين ... وحاولت تعليلاً لهذه الكثرة.. فبان لي أن جانباً كبيراً منها من باب الكناية ... حيث كان العربيُّ يَكْنى به عن المدرك الجنسيّ بلفظٍ ... فإذا اشتهر هذا اللفظُ ودلَّ على ماكان يُكْنى عنه صراحةً استحيا العربيُّ من الاستمرارِ في استعمالِه فانتقلَ إلى كنايةٍ جديدةٍ
غامضةٍ)) (١) .
ثانياً: التفاؤل والتشاؤم:
حيثُ يُعَدُّ من أبرزِ دوافعِ التَّلَطُف في اللغاتِ، ويشملُ كلَ الكناياتِ الخاصةِ بالمجالاتِ التى نستبينُ منها الضعف الإنسانيَّ كالموتِ والمرضِ وأسماءِ بعضِ الحيواناتِ، والجنِ، والسوامّ، ونحوِها مما يلعب التفاؤلُ والتشاؤمُ فيها دوراً كبيراً، فهي مجالاتٌ تثير ألفاظُها الخوفَ والهلعَ في نفوسِ البشر وينفرون من سماعها، ويتفادون ذِكْرَها، فِراراً مما تبعثه في الأذهانِ من آلام.
وسرُّ التَّلَطُف في هذا المجالِ، هو ما استقر في أذهانِ الناسِ منذ القدمِ من الربط بين اللفظِ ومدلولهِ ربطاً وثيقاً حتى إنّه يُعتقدُ أنّ مجردَ ذكرِ الموتِ يستحضرُ الموتِ، وأنّ النطق بلفظٍ الحيةِ يدعوها من جحرها فتنهشُ من ناداها أو ذكرَ اسمَهَا (٢) .
ولعل هذا يفسر لنا تعددَ مسمياتِ بعضِ الألفاظِ المترادفةِ في العربيةِ كلفظ الداهيةِ التي قال عنها حمزة الأصفهانيُّ:((إنَّ تكاثرَ أسماءِ الدواهي من إحدى الدواهي)) (٣) .
ثالثاً: التبجيل والتعظيم:
حيث يعدُّ التبجيلُ والتعظيمُ في العربية من أبرزِ دوافع التَّلَطُف، ويشمل الكناياتِ الخاصةَ بالمجالاتِ التى نستبينُ منها التبجيل الإنسانيَ للأشياءِ ويدخل في هذا المجالِ الهيبةُ والاحترام والولوعُ بالشيءِ وحبه.
ومن أمثلةِ ذلك: إطلاقُ لفظِ الأَبِ على العمِ، وإطلاقُ لفظ الأمِّ على الخالةِ، ونحو ذلك (٤) .