ولعل هذا يفسر لنا - أيضاً - تعدد مسمياتِ بعضِ الألفاظِ المترادفةِ في العربية، كلفظِ الحبِّ الذى ذكروا له ستين اسماً (١) ، ولفظِ العسَلِ الذى ذكروا له ثمانين اسماً (٢) ، ونحو ذلك.
إنّ ماتدل عليه هذه الألفاظُ لا يُعدُّ في حقيقته مصدرَ استهجانٍ لدى المجتمع كما هو الحالُ في مجال العلاقة بين الرجل والمرأة وما يتصل بذلك، كما أنّه لايعدّ مصدرَ ضعفٍ لدى الجماعة اللغوية كألفاظ الموتِ والمرضِ ونحوها، بل إنَّها أسماء نابعة من شدةِ ولوعِ المجتمعِ العربيّ بما تدل عليه هذه الألفاظُ وما ذاك التعددُ لمسمياتها إلا لتعلق القلوب بها وتبجيلها.
وتفسير ذلك أن اللفظَ إذا شاع استعمالُه في الدلالةِ على هذه المعاني فقد تأثيرهُ، ففقد قيمتَه الدلالية التعبيريةَ، من أجل ذلك كان العربيُّ ينتقلُ باللفظ من مجازٍ أصبح مألوفاً ضعيف التأثيرِ إلى مجازٍ جديدٍ أحسنَ وقعاً في النفس وأكثرَ أثراً (٣) ، على عكس ما حدث في الألفاظِ المستهجنةِ ونحوها.
وسائل التَّلَطُف في الكلام
بيَّنا فيما سبق دوافع التَّلَطُف وأسبابه في الكلام، والمواقفَ التى تفرض على المتكلمِ التَّلَطُف بشأنها، أما عن الوسائلِ التى يقصدها المتكلمُ حالَ تلطفه، فأهمها:
أولاً: الاستعمال المجازيُّ:
يعدّ المجاز من أهم الوسائلِ التي يتوسل بها المتكلمُ للتعبير عن المعاني المحظورةِ أو المقدسةِ لديه، فيعمدُ إلى الكنايةِ أو التوريةِ أو التعريضِ ونحوِها يقول الجرجانيُّ:
((واعلم أنَّ الأصلَ في الكناياتِ عبارةُ الإنسانِ عن الأفعالِ التى تُستر عن العيونِ عادةً من نحو قضاءِ الحاجةِ والجماعِ، بألفاظِ تدل عليها غير موضوعةٍ لها، تنزهاً عن إيرادها على جهتها وتحرزاً عمّا وُضِعَ لأجلها، إذ الحاجةُ إلى سَتْرِ أقوالِها كالحاجةِ إلى سترِ أفعالِها، فالكنايةُ عنها حِرْزٌ لمعانيها)) (٤) .