للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

((والكنايةُ ليست إلا صورةً مهذّبةً متحضرةً مما يُسمّى تحريمُ المفرداتِ فكثيراً ما يقع لدى المتكلمين أن يكونَ لبعض الألفاظِ طابعُ السريةِ والخفاءِ فيمنعُ الأفرادَ، من استعمالِها)) (١) .

ولعل هذا يفسر لنا ترادفَ الكثيرِ من الألفاظ في العربيةِ كلفظِ الداهية، والموتِ، والأسدِ ونحوها تبعاً للتسميةِ المجازيةِ عن طريق الكنايةِ وصيرورتها إلى الحقيقةِ بفعل الاستعمال (٢) .

وبيان ذلك أنّ معظمَ هذه الألفاظِ المترادفةِ إنَّما هي كناياتٌ شاعَ استعمالُها على الألسنِ حتى أصبحتْ حقائقَ، ومَرَدُّ ذلك أنَّ معظمَ هذه الألفاظِ ممّا يتحرجُ الناسُ من التعبير عنها بأسمائها الصريحة مراعاةً للآداب الاجتماعيةِ والاعتباراتِ الأخلاقية والنفسيةِ، ولهذا تلجأ الجماعةُ اللغويةَ إلى الكنايةِ بلفظٍ مرادفٍ، ومما يعزز ذلك ما حكاه أبوحيان التوحيديِّ عن ابن فارسٍ، حيث قال:

((حدثني ابنُ فارس: جرى بين يديه أسماءُ الفرْج وكثرتُها، فقال بعضُ الحاضرين: ماذا أرادتِ العربُ بتكثيرها مع قبحها؟ فقال: لما رأوا الشيءَ قبيحاً جعلوا يكنون عنه، وكانت الكنايةُ عند فشوها تصيرُ إلى حد الاسمِ الأولِ فينتقلون إلى كنايةٍ أخرى ... وعلى هذا كثرت الكناياتُ وليس غرضُهُمْ تكثيرُهَا)) (٣) .

ولا يقتصر الأمرُ على الألفاظِ التى يتحرجُ الناسُ عن التعبير عنها بألفاظها الصريحةِ - كالألفاظِ الدالةِ على النكاحِ أو الألفاظِ الدَّالةِ على الخوفِ كلفظ الداهية، بل يتجاوَزُهُ إلى الألفاظِ ذاتِ القدسيةِ في حياة المجتمعِ كلفظِ الحبِّ، وكلِّ ما عَلِق بالقلبِ، يقول ابنُ قيمِ الجوزيةِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>