((بابُ أسماءِ المحبةِ: لما كان إلفُهُمْ لهذا المسمى أشدَّ وهوَ بقلوبهم أَعْلَقَ كانت أسماؤه لديهم أكثر. وهذا عادتُهم في كلِّ ما اشتدَّ إلْفُهُمْ له أو كَثُرَ خُطُورُه على قلوبهم، تعظيماً له، أو اهتماما به، أو محبة له، فالأول: كالأسدِ والسيفِ، والثاني: كالداهيةِ، والثالث: كالخمرِ، وقد اجتمعت هذه المعانيِ الثلاثةُ في الحبِّ، فوضعوا له قريباً من ستين اسماً، وهي:
فهذه الألفاظُ تَفْقِدُ عند شيوعها على الألسنِ تأثيرهَا البلاغيُّ، فتفتقدُ بذلك قيمتها الاجتماعية، فيلجأ العربيُّ إلى لفظٍ آخرَ أقوى أثراً في النفس وأحسن وقعاً على الآذان، وعلى هذا تعددتْ مسميات الشيءِ الواحدِ من باب التبجيلِ والتعظيمِ لا الاستهانةِ والاستهجانِ.
بل إن من أبرزِ أسبابِ ظاهرةِ التضاد في العربية التعبيرُ بلفظِ محبوبٍ عن لفظٍ مكروهٍ لأسبابٍ نفسيّةٍ حيثُ لعبت غريزةُ التفاؤلِ والتشاؤمِ عند العربِ دوراً كبيراً في نشأةِ بعضِ ألفاظِ هذه الظاهرةِ، فرأينا العربَ تعدلُ عن الألفاظِ الدالةِ على المعنى الحقيقيِّ إلى ضدِّها تشاؤماً من التصريح بها، وتفاؤلاً بضدها، يقول ابنُ قتيبةَ:
((ومن المقلوبِ أن يوصفَ الشيءُ بضدِّ صفتِهِ للتطيرِ والتفاؤلِ كقولِهم للديغِ سليمُ تطيراً من السُقْمِ وتفاؤلاً بالسلامة، وللعطشان ناهلٌ أيّ سينهلُ يعنون يروى، وللفلاة مفازةٌ أي منجاة وهي مَهْلَكَةٌ ... )) (٢) .
ويقاسُ على ذلك قولُ العربِ بصيرٌ للأعمى، وقافلةٌ للمسافرين تفاؤلاً برجوعهم إذ الأصل فيها الدلالةُ على الراجعين من السفر. ونحو ذلك (٣) .