ومهما يكن من أمر فان التصدي لهذا الموضوع يظل محاولة لرصد ظاهرة تستحق اكثر من دراسة، آملا أن أكون قد فتحت من خلال هذه الدراسة الباب للباحثين لمواصلة البحث والاستقصاء.
تمهيد:
استعملت اللغة العربية لفظ النقد لمعان مختلفة:
الأول: تمييز الجيد من الرديء، قالوا: نقدت الدراهم وانتقدتها إذا أخرجت منها الزيف ومنه التنقاد والانتقاد وهو تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها.
الثاني: العيب والانتقاص: قالوا: وما زال فلان ينقد بصره إلى الشيء إذا لم يزل ينظر إليه، والإنسان ينقد الشيء بعينه وهو مخالسة النظر لئلا يفطن إليه، وفي حديث أبي الدرداء أنه قال: إن نقدت الناس نقدوك وإن تركتهم تركوك، ومعنى نقدتهم أي عبتهم واغتبتهم قابلوك بمثله وهو من قولهم نقدت رأسه بإصبعي أي ضربته ونقدت الجوزة أنقدها إذا ضربتها (١) .
واستعمل الأدباء العرب كلمة النقد بالاستعمالين لنقد الكلام شعره ونثره على السواء، وبدأ ظهور ذلك في القرن الثالث الهجري على وجه التقريب حيث ألف قدامه كتابه " نقد الشعر " وألّف ابن رشيق " العمدة في صناعة الشعر ونقده ".
وسار النقاد العرب في نقدهم على كل من الاستعمالين حيث استعملوه في القديم والحديث على معنى التحليل والتمييز والحكم، فالنقد عندهم دراسة الأشياء وتفسيرها وتحليلها وموازنتها بغيرها المشابهة لها، أو المقابلة، ثم الحكم عليها ببيان قيمتها ودرجتها، واستعملوه كذلك بمعنى العيب والمؤاخذة والتخطئة فألّف المرزباني كتابه "الموشح في مآخذ العلماء على الشعراء " ويريد بالعلماء النقاد، ولا يزال النقد مستعملا بهذا المعنى حتى اليوم عند بعض النقاد المعاصرين.