الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، أحمدُهُ على عظيم مِنَنِهِ، وسابِغِ نِعَمِهِ، حمْدَ الشَّاكرين، وأسألُهُ المزيدَ من فضله. وأُصَلِّي وأُسَلِّمُ على أشرف خَلْقِه محمَّدِ بنِ عبدِ الله، صلواتُ ربِّي وسلامُهُ عليه، وعلى آله وصحابته الكرام البررة، والتَّابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.
وبعد، فيَسُرُّني أنْ أُقَدِّمَ إلى سَدَنَة كتاب الله العظيم، وعُشَّاق لغته الغالية، هذا الأثرَ النَّفيسَ من آثار سَلَفِنَا الصَّالح رضوانُ الله ورحماتُهُ عليهم أجمعين، هؤلاء الأفذاذ الذين بذلوا الغاليَ والنَّفيسَ، فضربوا الأكباد، وهجروا لذيذَ الرُّقاد، لصون هذه الُّلغة العظيمة، لغة القرآن الكريم، وحمايتها من الاندثار والأفول، فكان النَّتاجُ آثاراً نفيسةً، تدلُّ على رسوخِ قَدَمٍ، وعُلُوِّ كعبٍ، وسُمُوِّ هِمَّةٍ. فرحِمَ الله هؤلاء الأعلام، وأعلى مقامهم في الخالدين.
هذا الأثرُ هو كتاب (الإغفال) وهو، (المسائل المصلحة من كتاب معاني القرآن وإعرابه للزّجَّاج) .
أمَّا مؤلِّفُهُ (أبو عليٍّ الفارسيُّ) فهو عَلَمٌ مبرِّزٌ من هؤلاء الأشياخ الذين قلَّ أن يجهَلَهم طالبُ علمٍ، لِمَا لهم من أيادٍ بيضاءَ سابغةٍ، شهد لهم بها القاصي والدَّاني. وقد قيَّضَ الله لأبي عليٍّ باحِثِينَ وأساتذةً أجِلاَّءَ قاموا بنفض غبار الزَّمن عمَّا وَصَلَ إلينا من مؤلفاته؛ إذ قد طُبِعَ إلى اليوم أكثرُهَا، وتقبَّلَهَا أهلُ العربيَّة بقَبولٍ حسَنٍ.
إلاَّ أنَّني رأيتُ بعضَ كتبِ أبي عليٍّ لا تزالُ رهينةَ أرفف المكتبات، ورأيتُ كثيراً من أهل العربية يُحجِمون عن تحقيقها وإخراجها، وهي بذلك جديرةٌ، وله مستوجبة.