يُعَدُّ كتاب ((الإغفال)) صورةً واضحةً لذلك اللَّون من النَّشاط النَّحوي الذي شاع في القرن الرَّابع الهجري والمتمثِّل في تعقُّب النُّحاة وتتبُّع بعضهم بعضاً، كما يُعدُّ الكتابُ صورةً صادقةً لضلاعة أبي عليٍّ وتمكُّنه العلمي وتبحُّره، ومن ثَمَّ رأينا ابنَ قاضي شهبة (رحمه الله) يصفُ كتابَ ((الإغفال)) بأنَّه كتابٌ نفيسٌ (١) .
يدور موضوع هذا الكتاب حول مسائل أخذها أبو عليٍّ على شيخه أبي إسحاق الزَّجَّاج في كتابه ((معاني القرآن وإعرابه)) ، فذكَرَ نصَّها، وأبدى موضع المؤاخَذَةِ منها، ثم عرض لها بالتَّفنيد والرَّدِّ والإصلاح،كما أشار في بداية الكتاب حيث قال:((هذه مسائلُ من كتاب أبي إسحاق الزَّجَّاج في إعراب القرآن، ذَكَرْنَاها لِمَا اقتضَتْ عندنا من الإصلاح للإغفال الواقع فيها، ونحنُ ننقلُ كلامَهُ في كل مسألةٍ من هذه المسائل بلفظه، وعلى جهته من النُّسخة التي سمعناها منه فيها، ثم نُتبِعُهُ بما عندنا فيه، وبالله التَّوفيقُ)) .
تناول أبو عليٍّ في الكتاب ما يزيد على مائةِ مسألةٍ. وهي في مجملها قضايا نحويَّةٌ وصرفيَّةٌ وصوتيَّةٌ تناولها أبو عليٍّ بالشَّرح والتَّحليل. وقد أطنب في بعضها كثيراً بحيث لم يترك زيادةً لمستزيد، وفي بعضها كان يقتضبُ القول اقتضاباً بما يوضِّحُ موضعَ الإغفال من كلام الزجاج، وفي بعضها الآخر نراه يسكُتُ فلا يُعقِّبُ بشيء بعد ذِكْرِ موضع الإغفال، ولعله اكتفى بكلامه عنه في مكانٍ آخَرَ.