وكثيراً ما يتكلَّمُ بكلام سيبويه، ويمثِّل بأمثلته دونما إشارة، فإذا عدتَ إلى الكتاب رأيت الكلام لسيبويه. ولَمَّا كان لسيبويه (رحمه الله) المكانة الأولى بين النحاة، فلا غرابة في أن يجري أبو عليٍّ في فلكه. ويرى الأستاذ الدكتور عبد الفتاح شلبي أنَّ هناك أسباباً خاصة أخرى جعلت أبا عليٍّ يقفُ هذا الموقف من إمام النُّحاة؛ فكلاهما فارسيٌّ، بل إن قبر سيبويه موجود بشيراز تلك المدينة التي بقي فيها أبو عليٍّ قرابة عشرين سنة أيام صباه، ثم عاد إليها بعد رحلته إلى بغداد واتصاله بعضد الدولة ليقيم فيها عشرين سنة أخرى، فهذه أربعون عاماً قضاهاً بجوار ذلك الإمام، ولعلَّ كلَّ ذلك دافِعٌ لأنْ يقِفَ أبو عليٍّ ذلك الموقف الصُّلب مدافعاً عن إمام النحاة (سيبويه) ضدَّ معارضيه (رحمهم الله جميعاً)(١) . وأقولُ: بل ربما يكونُ الدَّافعُ الأهمُّ في هذه الحملة التي قادها أبو علي ضدَّ شيخه هو الخلاف المذهبي بين أبي إسحاق السني، وأبي عليٍّ المعتزلي.
((لقد قرأ أبو عليٍّ (رحمه الله) كتاب سيبويه قراءةً فاحصةً واعيةً، ووازن نسخه بعضها ببعض، وردَّ ما يُتَوهَّمُ في الكتاب من التَّدافع، وصحَّحَ مذهبه، واحتجَّ به، واحتجَّ له، ونصَّ على أنَّ القولَ قولُ سيبويه، وبنى على ما يرويه، وقاس على ما يحكيه)) (٢) ، ومن ثَمَّ فإنَّ أبا عليٍّ يُتعِبُ مَن يتصدَّى إلى تحقيق مؤلفاته، في إرجاع اقتباساته من كلام سيبويه إلى ((الكتاب)) ، لذا فقد تعبتُ في تتبُّع مسائله في الكتاب، وأخفقتُ في الوصول إلى بعضها ممَّا حكاه عن سيبويه.