للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلُّ هذا في ((الإغفال)) يدلُّ بوضوحٍ على صدق قول أبي حيَّان التوحيدي في أبي عليٍّ و ((الكتاب)) حيث قال (١) : ((وأما أبو عليٍّ فأشدُّ تفرُّداً بالكتاب، وأشدُّ إكباباً عليه، وأبعدُ من كلِّ ما عداه مما هو علمُ الكوفيين، وما تجاوز في اللُّغة كتبَ أبي زيدٍ، وأطرافاً مما لغيره، وهو متِّقدٌ بالغيظِ على أبي سعيد، وبالحسد له، كيف تمَّ له تفسيرُ كتاب سيبويه من أوَّلِهِ إلى آخِرِهِ بغريبه، وأمثاله، وشواهده، وأبياته)) .

ومن ثَمَّ رأينا أبا عليٍّ يدافع عن سيبويه، وعن آراء سيبويه، ضد المعترضين وبخاصَّةٍ المبرِّدُ الذي اعترض على سيبويه وخطَّأه في كتابه المسمى ب (الغَلَط) ، ولعلَّ هذا ما جعل الفارسيَّ يعمد إلى الزَّجَّاج تلميذ المبرد فيتعقَّبُهُ في كتابه ((معاني القرآن وإعرابه)) ويَرُدَّ عليه في هذا الكتاب الذي نحن بصدد تحقيقه، ولعل ذلك أيضاً كان الحامل على مسالمته في الأعم الأغلب لأحمد بن يحيى (ثعلب) خصم المبرد (٢) . على أنَّ أبا حيَّان (رحمه الله) أرجَعَ ذلك إلى أنَّ أبا عليٍّ كان محبًّا للرَّدِّ على الزَّجَّاج وتخطئته، قال: ((لأنَّه كان مولَعاً بذلك)) (٣) .

لقد جاء كتاب ((الإغفال)) شرحاً لكثير من نصوص كتاب سيبويه، وتطبيقاً للقواعد التي فيه، فقد رأيتُهُ حريصاً بشكل كبير على شرح كلام سيبويه أينما مرَّ به، وكان يعمدُ في كثير من الأحيان إلى بسط القولِ في المسائل لأنَّ لها ارتباطاً بكلام سيبويه، فنراه يقول (٤) : (( ... وإنمَّا شَرَحْنَا هذا لأنَّهَا من مسائل الكتاب، وهذا لفظُ سيبويه، قال: وممَّا جاء من هذا الباب في القرآن وغيرِه قولُهُ: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيْمٍ تُؤْمِنُوْنَ بِاللهِ وَرَسُوْلِهِ وَتُجَاهِدُوْنَ في سَبِيْلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} ، فلما انقضت الآية قال: {يَغْفِرْ لَكُمْ} )) .

<<  <  ج: ص:  >  >>