شخصيَّةُ أبي عليٍّ واضحةٌ غاية الوضوح في ((الإغفال)) ، فتراه يصحِّحُ ويقوِّي، ويخطِّئ ويوهِّنُ ما يراه وتراه يختارُ مشيراً إلى الأحبِّ من الآراء إليه فيقولُ:((والأول أعجبُ إلينا)) ، أو يستبعدُ ما لايراه قوياً فيقول:((ولا أستحسنُ هذا)) (١) .
كان أبو عليٍّ (رحمه الله) يُقَدِّرُ العلماءَ الثِّقات، بل إنَّه يرى وُجُوبَ اعتبارِ ما رَوَوه وإنْ جاء مخالفاً للعام الشَّائع، فتراه يقولُ عن قُطْرُبٍ في روايته ل ((إسوار)) بالكسر: ((فأمَّا ما حكاه قُطْرُبٌ من أنَّه يُقالُ فيه: ((إِسْوَارٌ)) فهذا الضَّرْبُ من الأسماء قليلٌ جدّاً، إلاَّ أنَّ الثِّقَةَ إذا حَكَى شيئاً لَزِمَ قَبُولُهُ. ونظيرُهُ قولُهُم: الإِعْصَارُ ... )) .
يعمَدُ أبو عليٍّ في كثيرٍ من الأحيان إلى استقصاء المعنى في مادَّةٍ لغويَّةٍ ما، وذِكْرِ الكَلِمِ المصَرَّفة منها،كما في (شور)(٢) و (آن)(٣) وغيرها.
يَشيعُ في ((الإغفال)) النَّزعةُ المنطقيَّةُ الجدليَّةُ التي اتَّسَمَ بها أسلوبُ أبي عليٍّ، ومن ثَمَّ فإنَّكَ واجدٌ عباراته:(فإن قال قائلٌ ... قيل له) و (فإن قيل: ... قيل) ، و (فإن قلتَ ... فالجواب) مبثوثةً في كل مسألة.
أمَّا الاستطرادُ والخروج عن موضوع المسألة المعتَرَضِ عليها فأمر واضحٌ أيضاً، ولذلك رأيناه يقولُ في غير مكان:((وهذا شيءٌ قد عرض في المسألة ثمَّ عدنا إليها)) (٤) .