ومن مظاهر عنايته واهتمامه وتفرده بالكتاب أنه قد يجمع لنا ما يخص المسألة من كلام سيبويه المتفرق في كتابه، ويشير إلى ذلك فيقول (١) : (( ... فقد نصَّ كما ترى على أنَّ (فَعَلْتُ) قد وقع موقع (أَفعَلُ) في غير الجزاء، فإنمَّا غرضُهُ في وقوع هذه الأمثلة بعضِها مكان بعضٍ، ما تقدَّمَ حكايتنا له. وهذه المواضع التي جمعناها فيما أردْنَاه من الاتِّساع في هذه الأمثلة متفرِّقةٌ في ((الكتاب)) غيرُ مجتمعةٍ، فقِفْ عليها)) .
وإذا لم يكن لسيبويه نصٌّ في الموضوع الذي يتحدَّثُ فيه الفارسيُّ نَصَّ على ذلك فقال:((وليس لسيبويه فيه نصٌّ)) (٢) .
ورُبمَّا قوَّى رأيَ غيرِ سيبويه عليه،كما في المسألة السادسةَ عشرَةَ حيث أيَّدَ رأيَ الأخفش في أنَّ الألِفَ واللاَّمَ في ((الرجل)) من قولهم: ((ما يحسُنُ بالرَّجُل مثلك)) زائدةٌ فقال: ((ومذهبُهُ عندي أقوى)) (٣) .
عرَضَ أبو عليٍّ في كتابه هذا كثيراً من المسائل النَّحْويَّة واللُّغويَّة والصَّرفيَّة، وهذه المسائلُ في أغلبها مسائلُ اعتمد فيها الزَّجَّاجُ على كلام للخليل وسيبويه، إلاَّ أنَّه فَهِمَهُ على غير الوجه الذي فَهِمَهُ عليه الفارسيُّ، ومن هنا كان الطَّابَعُ العامُّ لهذه المسائل طابعاً نحوياً صرفياً، وفي القليل كان تعقُّبُهُ عليه من جهة التَّفسير، ولعلَّ أكبر دليل على ذلك هو أنَّكَ تمضي في الكتاب إلى صفحة (١٠٠) تقريباً فلا تراه يتناول إلا ثلاثَ مسائلَ هي: (لفظ الجلالة وتصريفه) و (إيَّا) ، و (حروف التَّهجِّي في أوائل السور) . وقد اقتضب أبو عليٍّ الحديث في بعضها، وأطال في بعضها الآخر واستطرَدَ مستشهداً على كل ما يقول في غالب الأحيان بأقوال سيبويه، والأئمة من اللغويين أمثال أبي زيدٍ وقطرُبٍ، ومستدلاً على ما يقول بأشعار العرب وأمثالهم.