فإن قال قائل: ولِمَ قدَّره هذا التَّقديرَ؟ وهلاَّ حمَلَهُ على التَّقدير القياسيِّ؛ إذ تقديرُ ذلك سائغٌ فيه، غيرُ ممتنعٍ منه والحملُ على القياس أَولى من الحمل على الحذف الذي ليس بقياسٍ؟
قيل له: إنَّ ذلك لا يخلو من أنْ يكونَ على الحذف كما ذهب إليه سيبويه، أو على تخفيف القياس في أنَّه إذا تحرَّكت الهمزةُ وسَكَنَ ما قبلها حُذِفَت، وأُلقِيَتْ (١) حَرَكَتُهَا على السَّاكن، فلو كان طَرْحُ الهمزة على هذا الحدِّ دون الحذف، لَمَا لَزِمَ أنْ يكونَ منها عِوَضٌ؛ لأنَّها إذا حُذِفَت على هذا الحدِّ فهي وإنْ كانت مُلْغاةً من اللَّفظ مبَقَّاةٌ في النيَّة (٢) ومعاملةٌ معاملةَ المثبَتَةِ غيرِ المحذوفة. يدلُّ على ذلك تَرْكُهُم الياءَ مُصَحَّحةً في قولهم:
((جَيْأَل)) إذا خَفَّفوا فقالوا: ((جَيَل)) (٣) ، ولو كانت محذوفةً في التَّقدير كما أنَّهَا محذوفةٌ من اللَّفظ لَلَزِمَ قَلْبُ الياء أَلِفاً. فلمَّا كانت الياءُ في نيَّةِ سُكُونٍ لم تُقلَبْ،كما قُلِبَتْ في ((نابٍ)) (٤) ونحوِهِ. ويدلُّ على ذلك تحريكُهُم الواوَ في ((ضَوٍ)) وهي طَرَفٌ إذا خُفِّفَتْ، ولو لم تكُنْ في نيَّةِ سكونٍ لقُلِبَت ياءً، ولم تَثْبُتْ آخِراً. ويدلُّ عليه أيضاً تَبْيِيْنُهُم للواو في ((نُوْيٍ)) إذا خَفَّفَ ((نُؤْي)) ، ولولا نيَّةُ الهمزة لقُلِبَتْ ياءً وأُدغِمَتْ،كما فُعِلَ في ((مَرْمِيٍّ)) (٥) ونحوه، فكما أنَّ الهمزةَ في هذه المواضعِ لَمَّا كان حذفُها على التَّخفيف القياسيِّ،كانت / (٦) منويَّةً في المعنى،كذلك لو كان حذفُها في اسم ((الله)) تعالى على هذا الحدِّ، لَمَا لَزِمَ أنْ يكونَ مِنْ حَذْفها عِوَضٌ؛ لأنَّها في تقدير الإثبات للأدلَّة التي ذَكَرْناها.