ولو كان لِلُزُومِ الحرفِ، لَوجَبَ أن تُقطَعَ هَمْزَةُ ((الذي)) للزومها، ولكثرة استعمالها أيضاً، ولَلَزِمَ قَطْعُ هذه الهمزةِ فيما كَثُرَ استعمالُهُ. وهذا فاسدٌ؛ لأنَّه قد يَكْثُرُ استعمالُ ما فيه هذه الهمزةُ فلا تُقطَعُ، فإذا كان كذلك ثَبَتَ أنَّه للعِوَض، وإذا كان للعِوَض لم يَجُزْ أنْ يكونَ حَذْفُ الهمزة من الاسم على الحدِّ القياسيِّ؛ لِمَا قَدَّمْناه؛ فلهذا حمَلَهُ سيبويه على هذا الوجه دون الوجه الآخَرِ فقال (١) : ((كأنَّ الاسمَ والله أعلمُ إلاهٌ، فلَمَّا أُدخِلَ فيه الألِفُ واللاَّمُ حَذَفُوا الألِفَ وصارت الألِفُ واللاَّمُ خَلَفاً منها، فهذا أيضاً ممَّا يُقَوِّيه (٢) أنْ يكونَ بمنزلة ما هو من نَفْسِ الحرف)) .
فإن قال قائلٌ: أَفَلَيسَ قد حُذِفَت الهمزةُ من ((النَّاس)) ،كما حُذِفَت من هذا الاسم حذفاً، فهل تقولُ: إنَّهَا عِوَضٌ منها،كما أنَّ الألفَ واللامَ عِوَضٌ من الهمزة المحذوفة من اسم ((الله)) - عز وجل -؟
قيلَ له: ليس الألِفُ واللامُ عِوَضاً في ((النَّاس)) كما كانا عوضاً في هذا الاسم، ولو كانا عِوضاً لَفُعِلَ بهما ما فُعِلَ بالهمزة في اسم ((الله)) لَمَّا جُعِلَت [في] الكلمة التي دخلت عليها عوضاً من الهمزة المحذوفة (٣) .
فإن قلتَ: أليس قد قال سيبويهِ بعد الكلام الذي ذكَرْتَهُ له: ((ومثلُ ذلك (أُنَاسٌ) ، فإذا أَدْخَلْتَ الألِفَ واللاَّمَ قُلْتَ: النَّاس)) ؟
قيلَ: إنَّه قال هذا، ومعنى قوله:((ومثلُ ذلك أُناسٌ)) أي: مثلُهُ في حَذْفِ الهمزة منه في حال دُخُولِ الألِفِ واللاَّمِ عليه، لا أنَّه بدلٌ من المحذوف كما كان في اسم ((الله)) - عز وجل - بَدَلاً. ويُقوِّي ذلك ما أنشَدَه أبو العبَّاسِ عن أبي عثمانَ:
إِنَّ المَنَايَا يَطَّلِعْنَ على الأُنَاسِ الآمِنِينَا (٤)