وممَّا يؤكِّدُ ذلك: أنَّ أهلَ التَّخفيف لم يخفِّفُوا الهمزةَ المبتدَأَةَ؛ لأنَّ التَّخفيفَ تقريبٌ من السَّاكن، فإذا رفضوا ذلك لتقريبه من السَّاكن مع أنَّه في اللَّفظ ووَزْنِ الشِّعر بمنزلة المتحرِّك، فأَلاَّ يُبتَدَأَ بالسَّاكن المحْضِ ويُرفَضَ في كلامهم أَجْدَرُ ألا ترى أنَّ مَنْ كان مِن قوله تخفيفُ الأُولى من الهمزتين إذا التَقَتَا (١) وافَقَ الذين يخفِّفُون الثَّانيةَ (٢) ، فتَرَكَ قولَهُ في نحو:{أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ}(٣) ؛ لِمَا كان يَلْزَمُهُ من الابتداء بالحرف المقرَّبِ من السَّاكن، وإذا كانوا قد حَذَفوا الألفَ من ((هَلُمَّ)) ؛ لأنَّ اللاَّمَ التي هي فاءٌ لَمَّا كانت متحرِّكةً بحركةِ غيرها، صار كأنَّه في تقدير السُّكون، فحُذِفَ كما كان يُحذَفُ مع السَّاكن، مع أنَّ الحرفَ بُني مع الفعل حتَّى صار كالكلمة الواحدة. فأنْ تكونَ اللاَّمُ في ((لاهٍ)) هي الجارَّةُ أَبْعَدُ لأنَّه يَلْزَمُ أنْ يُبْتَدَأَ بساكنٍ؛ لأنَّ اتِّصَالَ الجارِّ به ليس كاتِّصالِ حرْفِ التَّنبيه بذلك الفعل؛ ألا ترى أنَّه قد بُني معه على الفتح،كما بُني مع النُّونِ في ((لأفْعَلَنَّ)) على الفتح، فإذا قدَّرُوا المتحرِّكَ في اللَّفظ تقديرَ السَّاكنِ فيما هو متَّصِلٌ بالكلمة لمكان البناء معها، فالسَّاكنُ الذي ليس بمتحرِّكٍ مع ما هو في تقدير الانفصال منه أجدرُ أن يَبْعُدَ في الجواز.
فأمَّا ما أنشَدَهُ بعضُ البصريِّين من قول الشَّاعر: