فليس في شيءٍ ممَّا احتجُّوا به في أنَّ المحذوفَ الآخِرُ دون الأوَّلِ حُجَّةٌ. ويَثبُتُ قولُ سيبويه في أنَّ المحذوفَ الأوَّلُ (١) بدلالةٍ وهي أنَّ اللاَّمَ منفتحةٌ، ولو كانت اللاَّمُ في الكلمة لامَ الجرِّ لوَجَبَ أنْ تَنْكَسِرَ؛ لأنَّ الاسمَ مُظهَرٌ، وهذه اللاَّمُ تُكسَرُ مع المظهَرَة في الأمر الأكثرِ، فكما لا يجوزُ لِتَحُرُّكِ اللاَّمِ أنْ يُقَالَ: إنَّها لامُ التَّعريف؛ لأنَّ تلك ساكنةٌ، كذلك لا يجوز لِتَحَرُّكِهَا بالفتح أن يُقَالَ: إنَّها الجارَّةُ؛ لأنَّ تلك تُكسَرُ مع المظهَر ولا تُفتَحُ (٢) .
فإن قلتَ: فقد فُتِحَت في قولهم:
يَا لَبَكْرٍ ... ... ... ... (٣)
ونحوِهِ، فما يُنكِرُ أنْ تكونَ مفتوحةً في هذا الموضع أيضاً؟
فالجوابُ: أنَّ ذلك لا يجوزُ هنا من حيث جاز في قولهم: ((يا لَبَكْرٍ)) ، وإنمَّا جاز فيه لأنَّ الاسمَ في النِّداء واقعٌ موقعَ المضمَر، ولذلك بُنِيَ المفرَدُ المعرفةُ فيه، فكما جاز بناؤُهُ، جاز انفتاحُ اللاَّمِ معه.
فإن قلتَ: تكونُ اللاَّمُ الجارَّةُ هنا مفتوحةً لمجاوَرَتها الألِفَ؛ لأنَّهَا لو كُسِرَت كما تُكسَرُ مع سائر المظهَرِ، انقلب الحرفُ الذي بعدها.
قيل: هذا القولُ لا يستقيمُ لقائله أنْ يقولَهُ؛ لِحُكْمِهِ فيما يُتَنَازَعُ فيه بما لا نظيرَ له، ولا دلالةَ عليه، وسائرُ ما لحقَتْهُ هذه اللاَّمُ في المظهَرِ يدفَعُ ما قاله لمخالفته له.
ويمتنعُ من وجهٍ آخَرَ: وهو أنَّه إذا جَعَلَ هذه اللاَّمَ هي الجارَّةُ فهي غيرُ ملازمةٍ للكلمة، وإذا لم تكن ملازمةً للكلمة لم يُعتَدَّ بها، وإذا لم يُعتَدَّ بها فكأنَّهُ / قد ابتدأ بساكنٍ، فمِن حيث يمتنع الابتداءُ بالسَّاكن، يمتنع ما ذَهَبَ إليه في هذا.