للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن قلتَ: فقد قال سيبويه (١) عن الخليل: ((لو أنَّ قائلاً قال: إيَّاكَ نفسِكَ لم أعنِّفْهُ)) فليس ذلك بروايةٍ، ولا محضَ إجازةٍ، وهو قياسٌ على ما حكاه سيبويه من قوله (٢) : ((حدَّثَني مَن لا أَتَّهِمُ عن الخليل أنَّه سمِعَ أعرابيّاً يقولُ: إذا بَلَغَ الرَّجُلُ السِّتِّينَ فإيَّاهُ وإيَّا الشَّوابِّ)) ، وكأنَّ أبا الحسن استقلَّ هذه الروايةَ ولم يجدها كثيرةً، فلم يَقِسْ عليها ولم يعتَدَّ بها. ألا تَرَى أنَّه لم يُجِزْ: إيَّاكَ وإيَّا الباطلِ، ولا يَستَحْسِنُ الجميعُ إضافةَ هذا الاسمِ إلى الظَّاهر. فهذان الأمران يُقَوِّيَان أنَّ هذه العلاماتِ في هذا الاسمِ ليست بأسماءٍ.

وبعدُ، فإذا جاز أن تكونَ الكافُ والياءُ والألِفُ والواوُ تارةً أسماءً، وتارةً حروفاً، جاز ذلك في سائر هذه العلامات ولم يمتنع، فتكونُ الكافُ (٣) والهاءُ في هذا الاسم لعلامة الخطاب والغيبة فقط،كما كانت تلك الحروفُ الأُخَرُ لهما من غير أن تكون اسماً، فيكون تغُيُّرُ هذا الآخِرِ بتغيُّرِ المضمَرِين كتغيُّرِ ((ذلك)) وما أشبهه من علامات الخطابِ.

فما اعتلَّ به مَنْ ذَكَرَ أنَّه اسمٌ ظاهرٌ من الإضافة ليس بحجَّةٍ؛ لاحتماله أنْ يكونَ غيرَ مضافٍ بما ذَكَرْنَاه، وثبَتَ بما قدَّمْنَاه من الأدلَّة أنه مضمَرٌ ليس بمظهَرٍ.

وشَبَّهَ هذا القائلُ في ((إيَّا)) : إنَّه اسمٌ مظهَرٌ هذا الاسمَ ب ((كِلا)) ، فذَكَرَ أنَّه مثلُ ((كِلا)) في أنَّه يُتَوصَّلُ به إلى المضمَر كما يُتَوصَّلُ ب ((كِلا)) إليه.

قال أبو عليٍّ: وليس ((كِلا)) مثل ((إيَّا)) ؛ لأنَّهَا تتَصَرَّفُ، وتُضافُ إلى المظهَرِ إضافةً مطَّردةً كما تُضافُ إلى المضمَر، وتُضَافُ إلى المفرَدِ الذي يُرادُ به الكثرةُ، وينقلب حرفُ الإعراب فيه كما ينقلب في ((أخيك)) و ((أبيك)) و ((فيك))

<<  <  ج: ص:  >  >>